إميلي حصروتي
كانت الصديقات الثلاث كعادتهن مجتمعات حول فنجان قهوة عندما بادرتهن أكبرهن سنا وهي متزوجة بطرح مثير: “ماذا لو قابلت كل واحدة منا رجلها مرتدية حمالة صدر سوداء وحذاء عالي الكعب أسود وقناع أسود فوق العينين؟” علت ضحكات صديقتيها و هما تنظران اليها بعدم تصديق لكنهما عادتا و أصغتا لما وجدتاها في منتهى الجدية، “دعونا نذهلهم بجرأتنا و نرى كيف سيتصرفون وليحدث ذلك قبل لقائنا القادم”.
التقت الصديقات مجدداً بعد اسبوع وما إن جلسن حتى سارعت إحداهن، و هي مخطوبة، إلى القول: “حصل شيء لا يصدق! جاء خطيبي كعادته لزيارتي و عندما دخل وجدني ممدة على الكنبة عارية الا من حمالة صدري السوداء و الكعب العالي الاسود و القناع فوق عيني فصاح مندهشا وقضينا سهرة لا تنتسى قال لي بنهايتها إنني فتاة أحلامه و حددنا موعداً للعرس”. ذهلت الصديقتان من الخبر و هنأتا صديقتهما ثم انتقلت الأنظار الى الصديقة الثانية و هي عشيقة رجل متزوج فقالت: “لقد ذهبت الى مكتب عشيقي ليلة الجمعة مساء و أنا أرتدي حمالة صدري السوداء فقط تحت معطف المطر و حذائي الأسود ذي الكعب العالي مع القناع الأسود فوق عيني و ما إن دخلت مكتبه و فتحت معطفي حتى خرس من المفاجأة قبل أن يستدرك نفسه و نمضي لقاءً حارا لم نشهد مثله من قبل!”
أخيرا جاء دور السيدة المتزوجة فقالت: “كما اتفقنا، فقد ارتديت حمالة صدري السوداء و حذائي الأسود ذي الكعب العالي ثم وضعت القناع الأسود فوق عيني و انتظرت موعد عودته من العمل وما إن أدار المفتاح بالقفل حتى فتحت له الباب و رسمت أجمل ابتسامة على وجهي”. ماذا حصل؟ صاحت صديقتاها، “لا شيء! حيّاني و دخل ثم استدار صوبي قائلا: حسنا زورو، ماذا أعددت للعشاء!”.
هذه الطرفة الفاضحة استمعت إليها من فم جارتي الإنكليزية البالغة من العمر سبعبن عاما و نيف عندما سألتها ممازحة إن كانت قد أتمت تحضيراتها للإحتفال بعيد الحب، و قد أضافت عليها قائلة: “الحب تقتله العادة و لا يحييه عشاء احتفالي عابر مرة في العام”.
وجدت الطرفة مثيرة للاهتمام و تعليق جارتي حمل عمقا إضافيا في وصف دراما العلاقات الزوجية و العلاقات العاطفية بشكل عام. نعلم جميعاً أن الحب يبدأ عندما تنتهي حاجة أحد الشخصين للكذب أو التمثيل على الآخر فتصبح عندها كافة الأوراق مكشوفة و يشعر الحبيبان بالأمان في كنف بعضهما البعض و تذوب بهدوء دهشة البدايات و قلق المرة الأولى ليحل مكانهما الاستقرار جالبا معه سلاماً و تواصلاً لذيذاً يمنحهما القدرة على شحن طاقة لمواجهة متطلبات الحياة و المجتمع. لكن هذه المرحلة بالتحديد هي مرحلة الخطر أيضا، ففي استراحة الحبيبين من معارك الغواية و الإبهار الضروريين للبداية نرى تمدد العادة لتحتل ببطء أجزاء هامة من العلاقة العاطفية. الضغط المادي و المنافسة في العمل و التوق للحياة المثالية التي تروّج لها الإعلانات من حولنا تشكل تحديا جديا لاستمرار الرومانسية بين الحبيبين، ثم يأتي الأطفال و تعب تربيتهم الجسدي و النفسي ليأخذ حيزاً هاما من الوقت الذي يخصصه الوالدان للعلاقة الحميمة بينهما و ينعكس ذلك في تباعدهما كزوجين ليتفرغا بشكل شبه تام لدور الأبوين.
لا شك أنه من الضروري جدا العمل لخلق توازن يعيد للحب حيويته و يكون ذلك بمعادلة سهلة تتضمن اختيارنا لأهدافنا و نحن واعين لحدود إمكانياتنا. إنه السبيل الوحيد الذي يتيح لنا إيجاد وقت حصري للآخر لا يشوش عليه شيء، وقت للحب و التقارب، فالعلاقة الحميمة هي جزء من التزامنا بالشريك. أن نفاجئ من نحب بأوقات غير متوقعة بالتفاتات عاشقة أو موعد أو لقاء غير مبرمج مهما كان قصيرا هو مدعاة للسرور و دليل على الإهتمام، لأن استمرار الحب لا يجب أن يكون نتيجة واجب و إنما يجب أن يكون استجابة لنداء الإنسان فينا فنشعر أننا على قيد الحياة و نندهش و نترقب أن تنبئنا الأيام بأشياء مختلفة لنعيشها بسعادة.