- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الإضراب عن الحبّ… مقاومة نسائيّة صامتة

وردة السعدي
في العام 2001، قرّرت نساء قرية تركية إعلان الإضراب عن الجنس والامتناع عن ممارسة الحبّ مع شركائهنّ أو عشاقهنّ لغاية الاستجابة لمطلبهنّ والمتمثّل في الحصول على المياه في بيوتهنّ. هذه الواقعة الحقيقية نقلها المخرج الفرنسي، ذو الأصول الرّومانية، رادو ميهايلانو، في فيلم عرض مؤخّراً في صالات السّينما الفرنسية. “ينبوع النّساء” أو “لا سورس ديفام”، يأخذ المشاهد في قلب مقاومة جدّ حميمية، وإن كانت صامتة. وهذا السّبيل في المقاومة النّسوية ليس الأوّل من نوعه، فـ “الإضراب عن الحبّ” هو في الحقيقة منهج قديم قدم الإنسانية.
وقبل أن تنطلق بنا كبسولة التّاريخ إلى الوراء، لنتريّث قليلاً، ففي شباط/فبراير الماضي من العام الجاري، وبعد ثمانية أشهر من الفراغ الحكومي شهدتها بلجيكا، طلبت السيناتورة البلجيكية، السّيدة مارلين تيميرمان،  من النّساء الإضراب عن ممارسة الجنس لتسريع خطوات تشكيل الحكومة. مبادرة أعجبت الكثير واعتبروها مزحة، لكن هيهات أن يستهان بمثل هذا الطّلب.
فـ “الإضراب عن ممارسة الحبّ”، ألهم المؤلّف الإغريقي أريسطوفانيس مسرحيته “ليزيستراته”، التّي يروي فيها حقبة من التّاريخ الإغريقي شهدت مدنه حروباً عدّة. رواية أريسطوفانيس تضع امرأة يونانية في قلب الحدث، تسعى لإقناع بنات جنسها بالتّضامن يدّاً واحدة والعزم بصوت واحد على “الإضراب عن الحبّ” إلى غاية وضع  “هدنة  للحرب”.
وفي العام 2003، تمكّنت النّاشطة الليبيرية، ليماه غبووي، من تجنيد نساء كاثوليكيات ومسلمات في مسيرات وصلوات لوضع حدّ للحرب الأهلية، لكنّ وكما في جميع المقاومات، وعند إحلال السّلام يتمّ إقصاء النّساء من المشاركة في صناعة القرار السّياسي، حينها قرّرت غبووي نقل المعارضة إلى فراش الحبّ ونظّمت إضراباً عن الجنس. ضغط لم يكن ليتحمّله زعيم المقاومة السّابق، شارلز تايلور،  الذّي أصبح رئيساً بعد ذلك،  فرضخ لمطلب المضربات وسمح لهنّ بالمشاركة في المفاوضات.
وفي كينيا، بعد مرحلة العنف التّي عرفتها البلاد عام 2008 وأدخلتها في صراعات لمدة عام، كانت العلاقات بين الرّئيس موايي كيباكي والوزير الأول رايلا أودينجا قبل انتخابات 2009 متوترة، وخصوصاً أنّ البلاد كانت في توازن سياسي هش. وللخروج من هذا التّنافر المقيت، دعت العشرات من الجمعيات النّسوية الكينيات إلى الامتناع عن ممارسة الحبّ لمدة أسبوع لهزّ عقيرة الرّجال، حتّى أنّ زوجة الوزير الأول إيدا أدينغا انضمت إلى صفّ المضربات عن الجنس. النّتيجة كانت إيجابية بحيث توصّل رئيس الدّولة والوزير الأوّل، للمرة الأولى، إلى محادثات بعد شهور عديدة من النّفور المتبادل.
وفي إيطاليا، حيث اعتاد رجالها الاحتفال برأس السّنة بإطلاق مفرقعات نارية بشكل مفرطّ، وهو تصرّف غير عقلاني إذ ينجم عنه كلّ سنة المئات من الجرحى، حرّمت إيطاليات نابولي أزواجهن ممارسة الحبّ في ليلة رأس سنة 2009، مبادرة استردتها ضاحية مدينة نابولي، أياما قلائل قبل هذا المنع الجنسي وقامت بإرسال رسائل هاتفية واضحة لقائمة معيّنة من الرّجال بالعبارات التّالية: “مارسوا الحبّ واتركوا المفرقعات”.
وفي كولومبيا، في إحدى القرى الصّغيرة المطلّة على المحيط الهادي، بعد نفاد صبر النّساء من وعود أزواجهنّ الواهمة في إعادة تمهيد الطّريق الوحيدة التّي تربط قريتهم مع باقي المدن، وهي طريق وعرّة ومهدّمة كليّا يعود بناؤها إلى مائة وثلاث وستين سنة، قرّرت  النسوة هجر أزواجهنّ عن الفراش إلى غاية تحقيق مطلبهنّ، وبعد ثلاثة أشهر وتسعة عشر يوماً من المنع الجنسي، انصاع الأزواج لطلبهنّ وأقنعوا السّلطات التّي تعهدت يوم 16 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي بتمهيد 27 كيلومتراً من الطّريق وهي بداية حسنة كخطوة أولى.
وليس لأنّنا، أو بعضنا، يتقنّ الصّمت” يحمّلنا الغير “وزر النّوايا، وعلى عكس غادة السّمان، التّي ثارت على المبدأ الرّجولي وصرخت في قصيدتها “أعلنت عليك الحبّ”، أضمّ صوتي إلى تلك النّسوة في ليبيريا وكينيا وكمبوديا وإيطاليا، بل في كلّ قطر من أرجاء العالم، وعلى غرار شخصيات فيلم “ينبوع النّساء”، أخطّ على هذه الورقة، حرفا حرفا، وبعيدا عن أيّة نقابة حتّى لا ينحرف المسار عن مبدئه، هذا الإشعار: “أعلنت عليك إضرابا عن الحبّ”!