- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

سوريا والتوليب الدامي

إميلي حصروتي
من سرق الربيع من سوريا، لغز يطرح نفسه يوميا على صفحات الجرائد و برامج التلفزيونات العربية و العالمية. جميعنا يذكر حينما اتجهت الأنظار بعدم تصديق صوب دارعا في آذار 2011 كيف احترنا في توصيف المشهد يومها مع وقوع أول شهيدين للثورة. حوالي سنتين مرّتا منذ ذلك التاريخ و العدد تخطى ال70 ألف قتيل من دون أي امكانية حقيقية للتأكد من هويات من ماتوا أو هويات من قتلهم و لكن ما لا لغط حوله هو عمليات النزوح أو الفرار الجماعية التي شرذمت العائلات السورية الناجية في مخيمات انتشرت في دول الجوار السوري.
لا يشبه ربيع سوريا أي ربيع آخر سبقه في المنطقة، وحشية و منهجية القتل التي طبقها النظام لردع الثوار و تلهي العالم “الحرّ” بحساباته و ترقيع سياساته أدّى الى مشهد فوضوي مخيف اختلطت فيه قصص التطهير الطائفي بالتطهير العرقي و قصص التعذيب بقصص الإغتصابات و قصص الولاءات بقصص الإنشقاقات الهوليودية، فأصبح من الصعب جدا على من يريد مقاربة الموضوع السوري ألا تتسخ أفكاره بالدم الذي يراق يوميا و أن يتمكن من تجميع مشهد معتدل في رأسه. في الحقيقة أنه لم يتبق إمكانية لحياد مطلق كما أصبح الحفاظ على برودة مهنية عندما تتنقل بين الصفحات المختلفة لدعم الثورة أو دعم  النظام شبه مستحيل، إذ يكفي ان تستمع إلى قصص اضطهاد و ملاحقة الأطباء الذين يعملون بأقصى طاقة في أحلك الظروف لتدرك أن الموضوع أصبح خارج نطاق العقل و المنطق الإنساني، و مع دخول الحركات الأصولية على خط النزاع و الفيديوهات التي تخرج من رحمها، بات من السهل التنبوء بدموية المواجهة الآتية و حتمية الخراب الكامل.

“أنا أدرك بؤس وضع الثورة السورية بسبب سبات أو اختفاء عدد من الناشطين المتميزين عن جدول حسابي الزمني. أمر محزن.” هذه الملاحظة غردها المدوّن و المهندس اللبناني زاهر يحيى على تويتر منذ أيام و أتبعها بالقول: “عدد من الثائرين الصادقين أغرقهم التسونامي الطائفي فباتوا يشعرون بأنهم لا يملكون المزيد النافع ليقدموه. أعرف بعضهم…”، زاهر المقيم في لندن يقول على صفحته إنه تابع الحراك السوري منذ بدايته و قد تعرف افتراضيا و تناقش مع عدد من الأدمغة السورية اللامعة الذين اختفوا أو جنحوا للتطرف و يضيف أن المحزن أيضا أن بعضهم اعتقلوا أو قتلوا. كلام زاهر ينطق بالأسى الذي يشعر به العرب ممن استوطنت الثورة السورية وجدانهم لتمايز ظروفها عن باقي ثورات الربيع العربي و حتى الأجانب الذين تابعوا تقارير تحولها الى جهنم طائفي على شاشاتهم لم يسلموا من الحيرة و انفضوا عنها ببطء. فماذا الآن؟
ليتني أملك هنا ما لا يملكه غيري من المتابعين للشأن السوري، ليتني أمسك طرف الحل أو تصوّر للحل أسوّقه من دون أن أدوس على مشاعر النصف الآخر من السوريين. لكني في الواقع أملك نداء هام أوجهه لكل من يريد التعليق أو البحث أو الكتابة عن الأزمة السورية و هو جالس في مكتبه يتابع و يناقش من يماثلونه في الرأي و يربتون على كتفه، أن يأخذ بعين الإعتبار أن سوريا هي أكثر من عشرين مليون سوري من مختلف التوجهات و من مختلف المستويات الاجتماعية و الفكرية و الدينية، فرجاء قبل أن تستل سيف القلم لتحفر طائفيا أو غرائزيا أو تبعا لحنفية مال معينة أن تقف في الليل المدلهم في العراء أمام بيتك و تستمع للأنين الذي تردّد صداه الإنسانية في داخل كل من امتلكها.
برأيي أن ربيع سوريا يشبه حاليا زهرة التوليب التي تعيش أشهراً طويلة في باطن الوحل و العتم و تتحمل بشجاعة برد الشتاء القارص لتزهر و تزهو ثم تموت كي تحيا في جيل جديد. فهنيئاً لمن يعيش و يرى.