- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

جوزف سماحة الذي رأى

نقطة على السطر

بسّام الطيارة
(٢٦ شباط ٢٠٠٧)  هي ذكرى رحيل الصحافي والكاتب والمفكر «جوزف سماحة»…زميلنا الكبير.

هي مناسبة حزينة ولكنها مناسبة لطرح كم من الأسئلة أيامنا هذه حبلى بها.
يومياً عند قراءة شريط الأخبار.  يقفز هذا السؤال إلى أذهاننا ويقف حائلاً بين متابعة التحليل الذهني والكتابة: «نسأل لو كان جوزف معنا، ما عساه أن يقول” ماذا عساه أن يكتب؟».
منذ تركنا رئيس التحرير ومحرك الزميلة صحيفة «الأخبار» في هذا اليوم قبل ست سنوات قفز أول سؤال من سلسلة الأسئلة التي تبدأ بـ«لو كان جوزف…» وتتابعت هذه الأسئلة إلى أن ازدحمت على «مفرق الربيع العربي». الصحيفة التي بث الروح بها أجابت في البداية إجابة كما «لو أن جوزف كان حاضراً في أركانها»… وبعد فترة ليست بطويلة… عادت الأسئلة تتدافع وترتطم بنتائج الربيع العربي.
وابتعد هذا السؤال عن الصحيفة، دون أن يبتعد عنه الصحافيون.
كل ذهب في طريقه يحمل نسخة من هذا السؤال يستعمله يومياً عندما يقرأ «شريط الأخبار».
جوزف رحمه الله لم يشهد بداية ما يسمى الربيع العربي وإن هو استشف أمراض هذه الثورة قبل أن تلد.
وليست هذه أفكار متناقلة وغير مسندة (كما فعل كثيرون بعد غيابه، فرووا القصص «الخاصة» بينهم وبين الفقيد ولا شاهد يشهد) هذه الأفكار التي وصفت علل الربيع العربي كتبها جوزف بيده.
(سلام عابر، دار النهار، بيروت، ١٩٩٣، صفحة ١٢٧ وما بعد)
كتب جوزف: «إحتل التيار الإسلامي منذ سنوات مواقع عديدة للحركة القومية واليسار». بعد هذه المقدمة يرسم جوزف ملامح ما يراه فيقول «إنه احتلال اجتماعي لا سياسي». ويتابع «لقد بات منتشراً ضمن الفئات التي كانت تشكل جمهور هذه القوى سابقاً وهو يقدّم تعريفاً خاصاً لمصالحها ولعلاقاتها الداخلية ويصوغ تصورها للعالم الخارجي»… ويكتب «لقد أصبح الإسلام الأصولي قوة الاعتراض الجدية الوحيدة في غير بلد عربي رئيسي»… ورأى جوزف ما رأيناه في بداية الربيع العربي عندما يصف «وبات في الإمكان إختصار الحياة السياسية والأمنية والثقافية في عدد من البلدان إلى مواجهة مفتوحة بين الجيش وقوى الأمن من جهة والأصوليين من الجهة الثانية». … ويتابع منطق هذه الحصرية التي أخرجت من اللعبة العلمانيين فيقول «تنظم هذه المواجهة الحياة العامة وتعرّض قوى المعارضة والقوى الوسيطة الأخرى إلى عملية تجاذب تكاد تطردها من المشهد العام»… يتابع «…تفتش هذه المعارضة عن موطئ قدم فلا تجده» (برافو جوزف لقد اصبت)، ويتابع «…إنها عاجزة بالكامل تقريباً عن استقطاب التذمرات الشعبية والطموحات السياسية …».
وبعد أن يصف حالة التضارب بين الإسلام المعتدل والإسلام الأصولي وانتصار الأخير ودور حرب الخليج في تأجيج هذا الصراع، يخلص إلى القول إنه «يملك قوى مواجهة ولكنه لا يملك استراتيجية مواجهة. والأنكى من ذلك أنه لا يستطيع، لأنه محكوم بتقليديته، استيلاد هذه الاستراتيجية. (…) لا يشذ طرف إسلامي واحد عن هذه القاعدة، من حزب الله إلى جبهة الإنقاذ الإسلامي إلى حماس إلى الجهاد إلى الجماعة الإسلامية و إلى النهضة، إلخ ….».
هكذا وصف الصحافي الكاتب جوزف سماحة في عام ١٩٩٣ كيف سوف تعجز الحركات الإسلامية عن وضع استراتيجية لقيادة الربيع العربي.
لقد استشف المرحوم جوزف بأن هذا الربيع سيكون «عابراً» كما كان «سلام عابر» ما لوح به الغرب وهرولت إليه الأنظمة بعد حرب الخليج الأولى.
«نسأل لو كان جوزف معنا، ما عساه أن يقول” ماذا عساه أن يكتب؟»