- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

بيت الوادي علامة نصر

وفاء عبد الرحمن*
مصر ليست تلك التي عرفتها منذ نعومة اظافري، مصر أكثر قلقاً، أكثر خوفاً وأكثر تعباً، هكذا رأيتها وشعرت بها.
في زيارتين سابقتين، قاومت الكره الذي حاولوا أن يدسوه في قلبي عبر تحريض ممنهج ضد الفلسطينيين، معارضة مفلسة لا برنامج لديها لمواجهة اخوان مصر إلا بالهروب إلى التحريض على حركة حماس لتعني الأخيرة فلسطين والفلسطينيين، غريب أمر المصريين، يعشقون فلسطين ويموتون من أجلها، وفي لحظة يقتلونها كرهاً أو حباً ربما، وهكذا يفعلون بمصر!
بالنسبة لي أنا الفلسطينية، أصر أن أي ثورة لا تكون بوصلتها فلسطين هي ثورة ليست أصيلة – ولن تكون- فالحرية لا تُجزأْ وفلسطين بوصلة الأحرار في كل العالم وليس فقط في الوطن العربي. الفلسطينيون ليسوا ملائكة، هم بشر قبل كل شيء، ولكن مرفوض أن تتم محاكمتهم جماعياً أو اعدام قضيتهم.
في وسط هذه المعمعة الداخلية، يعتب علي صديق قديم، “أين أنتم؟ -ويقصد العلمانيين- لماذا تتركون الساحة لخطاب واحد؟ لماذا لا نراكم هنا؟” والحقيقة أن الكثير من النشطاء الشباب الفلسطينيين وتحديداً من قطاع غزة هم على تواصل دائم مع شباب الثورة، رأيت الكثيرين منهم في ميدان التحرير يدعمون الثوار ومطالبهم العادلة بالحرية والكرامة، والحقيقة أيضاً أننا انتصرنا في غزة ورام الله ويافا لنساء مصر ضد التحرش الممنهج الذي طالهن في ميدان التحرير- ولكن يبدو ان الرسالة لم تصل حتى للنخبة! والحقيقة أيضاً أن هناك ايماناً كبيراً لدى قطاعات واسعة من الجمهور الفلسطيني أن فلسطين لن تكون أبداً بخير إن تألمت أم الدنيا- مصر، والحقيقة أن القيادة الفلسطينية التي تريد أن تنأى بنفسها عن الشأن الداخلي المصري فقدت دورها في التأكيد على الزواج الكاثوليكي بين مصر وفلسطين، انشغلت القيادة في انتظار التحرك المصري الرسمي في ملف المصالحة الفلسطينية ونسيت الشعبين، والحقيقة أن النخبة الفلسطينية أكتفت بالوكالة الغيابية للقيادة وللشباب فغاب صوتها، وبقي الجمهور المصري في موضع المتلقي لخطاب إعلامي ينضح بالكراهية.
ورغم المشهد المظلم تبرز شموع مضيئة أعادت لي توازني، وأعادت ثقتي ومحبتي لهذه البلد الجميلة التي ستبقى أم الدنيا رغم انف اعدائها، بيت الوادي- بيت الثورة/الثورات، محاولة مضيئة يقودها الشاعر المصري زين العابدين فؤاد، والأديب شوقي عقل، والروائي أحمد الخميسي، والمحامية والمدونة صفاء زكي مراد، البيت سيوثق الثورة المصرية بطريقة مختلفة وجديدة، بيت الوادي مقاومة من نوع جديد للخطاب “الاستهبالي” الإقصائي، في بيت الوداي، لفلسطين مكان واسع كما لسوريا وكل الثورات.. في افتتاح بيت الوادي غنى الجمهور مع فرقة “بهية”- فرقة من ميدان التحرير “مين اللي يقدر يحبس مصر” للشاعر زين العابدين فؤاد، الغناء أعادني لذكريات الانتفاضة الأولى، الغناء الجماعي، القوة الكامنة في ايمان مطلق أن مصر ستنتصر، وأن الثورة ستنتصر وفلسطين ستنتصر معهما أدركتها بيقينية وأنا اغني معهم “يما مويلي الهوا ” شكراً لك يا “عم زين” لاحتضانك حضورنا معك.
إضاءة أخرى جاءت من قلب ميدان التحرير- الجامعة الاميركية- عرض فيلم “علامة نصر” الذي يدور حول العلاُمة نصر حامد أبو زيد، هي مبادرة شجاعة لتصحيح الغبن الذي لحق بهذا المفكر، هي اعتراف وتصويب لرواية شيطانية لتكفير كل من قرر أن يٌعْمِل العقل والمنطق، في زمن يبدو انه ليس زمن عقل ولا منطق. الفيلم انتصار لأبو زيد وفكره ومنطقه في نقد الخطاب الديني دون المساس بقداسة النص، الفيلم ابداع مصري للمخرجة المميزة “مها الشهبة” والصحفي والكاتب “محمد حربي”. الفيلم ينتصر لفلسطين حين انتصر لها نصر أبو زيد، والنقاش انتصر لفلسطين مرة أخرى ليؤكد خطأي في مجرد الشك أن البوصلة قد تنحرف، مصر الكلية تنتصر بكليتها على مهاترات فريق ليس لديه ما يقول وفريق آخر يصدر صكوك نصر وغفران، شكراً للعزيزين مها ومحمد على هذا الفيلم الرائع، وشكراً على الضيافة الكريمة.
نعم حماس ليست فلسطين، وغزة ليست حماس، وحماس ليست العدو، العدو معروف وواضح، هو الآخر، وهو الذي يسلب مقدرات مصر وفلسطين، وهو الذي يعبث بأمنهما، فكفى مهاترات وكفى ضجيج ونفاق، فإن اعترفنا أن مصر رأس الوطن العربي، ففلسطين قلبها النابض وبوصلتها التي لن تنحرف.
*ناشطة واعلامية فلسطينية