- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

كل النساء أنتِ

إميلي حصروتي
أنتِ لا تولدين إمرأة، أنتِ تصبحين إمرأة، هكذا قالت إحدى أهم رائدات الحركة النسوية في العالم، الروائية و الفيلسوفة الفرنسية «سيمون دو بوفوار» و هو كذلك حتماً، فما كل أنثى إمرأة و ما كل ذكر رجل، وفي اليوم العالمي لحقوق المرأة ما أحوجنا نحن النساء لتذكير أنفسنا بأننا الأقوى نعطي الحياة و نعطي الحنان والأمل. لكننا لسنا الأكثر تعاوناً فيما بيننا لإنجاح قضايانا وهي للأسف حقيقة مُرّة نحاول التغطية عليها بشتّى الذرائع أو بإنكارٍ مرير، لكن كيدية علاقة المرأة بالمرأة غالباً ما تساهم في تكبيل انطلاقة إحداهما أو تحجيمها و كثيرةٌ هي النماذج  في العالم العربي حيث نشاهد سيدة تحمل سلاحاً معنوياً تفخخ به خطوة إمرأة تماثلها في المعاناة.
محرجٌ فعلا أن نتوقف اليوم عند هذه الزاوية الضيقة من العلاقة التي تجمع النساء ببعضهن ونتغاضى عن كل الإبداعات الرائعة التي حققتها وتشاركن بها و لكن مع كل ما تتعرض له المرأة من غبن، فإن غبن المرأة للمرأة هو الأفظع. لو حاولتِ كامرأة أن تتذكري عدد الأشخاص الذين قيّدوا خطاكِ يوماً أو عرقلوا مسيرة جهودكِ أو كانوا حاجزاً أمام بلورتها فستقفز إلى ذهنك من دون شك أسماء نساء كن عائقاً جديّا أمامك و أمام سعادتك، أم أو أخت أو زوجة أخ أو والدة زوج أو جارة أو زميلة أو مديرة عمل. معلومٌ أن هذه التعقيدات تحصل إجمالا في المجتمعات التي تعاني فيها النساء أوضاعاً شديدة الحساسية والصعوبة كالمجتمعات القبلية والعشائرية حيث تُقمع النساء وتنتشر بينهن الأمية والتربية الرجعية، هناك في بؤس هذا المجتمع سنجد إمرأة متسلطة على إمرأة أخرى تذيقها ما ذاقته أو تنصب نفسها إلهاً على أوضاعها فتعذبها أو تشي بها أو تمنعها من اختيار يختلف عن الأعراف. لكن برأيي أن غبن النساء للنساء لا يعرف الفروقات الطبقية أو الثقافية، كأنه متأصل في نفس الأنثى تنقله معها ضمن ذاكرتها الجماعية.
في أوروبا حاليا تعيش الفتيات من أصول مهاجرة مأساة كبرى تتلخص في رغبة أهاليهن بتزويجهن بأسرع وقت ممكن كي لا يختلطن بالمجتمعات الأوروبية الليبرالية خوفاً من أن يخسرن عذريتهن. الحل يكون عادة بدعوة الفتاة المراهقة لقضاء عطلة في ربوع بلدها الأم حيث يتمّ تزويجها بالقوة من شخص لم تره في حياتها. تقول «جميلة عيت-عباس» الجزائرية في كتابها «الفاتحة» عن تجربتها مع الزواج الإجباري أنها لم تستطع أن تصدق عينيها عندما كبلتها نساء قريتها على سريرها الزوجي في الليلة الأولى بعد العرس بينما تولت أمها وضع شرشف في فمها ليتمكن زوجها منها، لا يعقل أن يتخيل أحدنا أماً تفعل ذلك بابنتها و لكن هذا يحصل كل يوم في بعض المجتمعات. تقول سودانية مقيمة في بريطانيا إنها باتت تخاف من زيارة موطنها و إنها قررت أن يذهب زوجها إن أراد من دونها خوفاً من والدتها التي حاولت مراراً خطف ابنتها ذات الثلاث سنوات لختانها و قد دفعها هذا الأمر في إحدى المرات لقطع عطلتها و العودة الى بريطانيا.
في كتابها «الصفعة» تتحدث «سابرينا» عن العنف الزوجي الذي ذاقته و تتذكر بمرارة الجبن الذي شهدته من جميع من كان حولها فلم تمتد لها يد المساعدة يوماً بل كانت نساء عائلة زوجها بالمرصاد لأي هفوة ينقلونها بأمانة لزوجها الموتور حتى كادت تفقد طفلها يوماً من شدّة الضرب. أما جرائم الشرف فحدّث ولا حرج عن الأدوار التي تلعبها نساء العائلة في حضّ أبنائها على قتل الخاطئة لغسل العار وترميم شرف الأسرة.
هناك حتما تحليل نفسي واجتماعي لهذه الظاهرة يجيده أصحاب الإختصاص ولكني اليوم أكتفي بتذكير كل النساء أننا جميعا نعاني ما نعانيه من تمييز وقمع واستبداد وترويع تعمقه مكونات وظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية تحيط بنا، لذا نحن مدعوات أكثر من أي وقت مضى لاستلهام روح الأنثى الحنونة والنخوة  في أعماقنا كي نندفع لمساعدة كل امرأة عاجزة من حولنا سواء بإبلاغ للسلطات عن عنف تتعرض له أو بإيواء من فقدت سقفاً أو بجزل العطاء للجمعيات التي تقوم بهذه المهمات وتسعى لتمكين المعنفات اقتصادياً و معرفياً.
في النهاية تحية لسيمون دو بوفوار و لكل المبدعات اللواتي مهدن الطريق لنساء أكثر وعياً وإن كنتِ لا تولدي امرأة فإنك تصبحين امرأة عند نضوج العواطف السليمة داخلك التي تمنعك من السكوت عن أي حق من حقوقك أو من حقوق غيرك، عندما تدركين أنك كل النساء وكل النساء انتِ، عندما يصبح إرضاء الرجل تتويج للإحترام وليس لجذب الإهتمام، عندها فقط تصبحين إمرأة.