- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

التدخل السوري في لبنان لازمة تاريخية

بسّام الطيارة

منذ فترة يوجد تبادل اتهامات بين حزب الله اللبناني والمعارضة السورية. الحزب يتهم المعارضة بقصف والسيطرة على قرى حدودية بين لبنان وسوريا يسكنها شيعة، والمعارضة تتهم الحزب بالتدخل في سوريا ودعم النظام واحتلال قرى على الحدود داخل الأراضي السورية. بات جميع المتابعين، كل حسب موقعه يقرأ هذه الأخبار كيف ما تحلو له، وغاصت هذه «التفاصيل» في مشهد الحرب في سوريا وغطت عليها أخبار مئات القتلى يومياً.
ولكن التاريخ، مثله مثل السيل المنهمر من الجبال راكضاً نحو السهل أو البحر يخط مهداً له ويرسمه في تضاريس الزمن. يمكننا أن نبعد السيل عن خط مهده فنبني سداً أو تحويرة ولكن ما أن نرفع هذه العقبات إلا ويعود السيل إلى مهده الأول. والتاريخ كذلك. تبعدنا الأحداث عن خط سيره  فنلتفت إلى الحرب والدمار ونأسف للتشريد ونبكي القتلى ولكن ما أن «تهدأ الأحداث» إلا ويعود التاريخ إلى مهده ويتبع خطه.

في بعض الأحيان يتراءى لنا مهد سيل التاريخ عبر حدث أو تحول في مجرى الحرب أو معركة أو …«نصريح».
هكذا قرأت تصريح رئيس «المجلس الوطني السوري» المعارض عبد الباسط سيدا  إلى صحيفة «السياسة الكويتية» والذي دعا فيه «حزب الله»، إلى «الاستعداد لمرحلة ما بعد الأسد».
بالطبع بعد أن تحدث عن دعم الحزب للنظام والبحث عن أدلة ومؤشرات «تدين حزب الله» وهذا طبيعي ضمن سياق تبادل الاتهامات، قفز سيدا إلى مهد التاريخ حين طلب من الحزب «قراءة الموقف جيداً والاستعداد لمرحلة ما بعد الأسد، والدخول في حوار وطني جاد مع سائر القوى اللبنانية في سبيل بناء الدولة الوطنية».
من المتكلم؟ عبد الحليم خدام؟ أم رستم غزالة؟
المتكلم هو رئيس أكبر تكتل للمعارضة السورية وهو «هارب» منذ سنوات من بلده من بطش المذكورين خدام وغزالة ومن عمل معهما. نفهم أن يحذر سيدا حزب الله من التدخل في سوريا ومن دعم النظام السوري. ولكن أن يصب تدخله في صميم السياسة اللبنانية…
يدل هذا إن لزم الأمر أن «أي مسؤول سوري» أكان في الحكم في جبل قسيون أم في المعارضة في باريس أو في السويد أو في اسطنبول يرى أن له «دوراً في لبنان». يعطي نصيحة من هنا ويرفع اصبعه تارة محذراً وتارة منبهاً.
سيدا زعيم من زعماء المعارضة السورية والمفروض أن يكون ركن من أركان الثورة يهتم بالمقاتلين في الداخل يخوض معارك ديبلوماسية في الخارج ويسعى لحلحلة أمور اللاجئين السوريين (بلغ العدد مليون لاجئ) في بلاد الجوار، يجد متسعاً من الوقت لنصحية سياسية لحزب الله تصب في خانة التدخل في شؤون لبنان.
لا ندافع عن حزب الله فهو قادر على الدفاع عن نفسه (وأكثر من اللزوم ف يبعض الأحيان) ونتركه يقارع سياسياً تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية، ولكن نسأل ما إذا كان مصير لبنان بعد الأسد مشابه لمصيره قبل الثورة: أي تدخل سوري في كل شاردة وورادة في الطبخات السياسية اللبنانية.
بالفعل فإن سيدا يتحضر لاستلام الحكم في سوريا وهو «يتدرب» على التدخل في شؤون لبنان مثله مثل كل حكام سوريا السابقين. وهو يعطي إشارات إلى القوى الفاعلة في المنطقة بأن «الدور السوري» سيكون مضبوطاً في بلاد الأرز. إنها عودة مسار التاريخ إلى مهده.