باريس – بسّام الطيارة
ما زالت مسألة «جكومة مؤقتة» تبث الشقاق بين أعضاء الائتلاف السوري المعارض. فالإخوان والتيار الإسلامي لا يريدون حكومة مؤقتة يرون فيها محاولة لتذويب نفوذهم المعترف به في الائتلاف عبر المجلس الوطني السوري. فهذه الحكومة ستصبح رقعة استقطاب للمساعدات وللحركة الديبلوماسية وللإمساك بمقاليد الإدارة المحلية، وبالتالي سوف «تفلت» الأمور من أيديهم. ومن جهة ثانية تيار كبير في الائتلاف يقف وراء رئيسه معاذ الخطيب الذي يرفض أيضاً «حكومة مؤقتة في المناطق المحررة» لأنها ستكون «بداية لتقسيم البلاد» في ظل «استمرار تماسك النظام في المناطق الأخرى».
إلا أنه إلى جانب هذه «الموجبات السورية الداخلية» المتسربة، توجد أسباب تعود لنوع من التباين بين القوى الإقليمية والدولية الداعمة للمعارضة، ينعكس على مسألة الحكومة المؤقتة ويفسر فشل الاتفاق عليها حتى الآن. فمن المعروف وجود تباين بين قطر والولايات المتحدة حول تسليح المعارضة. وكذلك بين قطر والسعودية حول مسألة الإدارة الذاتية للمناطق المحررة، بينما تدعم فرنسا تركيا في محاولاتها لإقامة مناطق محمية دولياً للاجئين بمحازاة الحدود التركية السورية، فيما تتحوف تركيا من مسألة «هامش المناورة المتروكة للمناطق الكودية» وتنظر بريبة كبيرة للانفتاح الغربي الحديث على أكراد سوريا، ومن هنا دعوتها لإقامة حكومة مؤقتة في الشمال «تلجم اندفاع الأكراد نحو المزيد من الحكم الذاتي»، وكل هذه العوامل تنعكس مباشرة على مسألة تشكيل حكومة مؤقتة.
وبالطبع يغذي التباين بين القوى الداعمة الخلافات بين أركان المعارضة، رغم أن القاسم المشترك ما زال السعي للانتهاء من نظام الحكم القائم في دمشق. الإخوان وتدعمهم السعودية يفضلون إبقاء الأمور على حالها والعمل على خطين متوازيين: قضم مناطقمحررة وسحبها من تحت سيطرة النظام من جهة، ومن جهة أخرى، العمل على كسب المواطنين وتفعيل العمل الاجتماعي في المناطق المحررة «بشكل مستقل» وبعيد عن مراقبة مبعوثي القوى الغربية (فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة)، إنه عمل دؤوب يرمي إلى كسب تأييد طبقات واسعة ومتعددة من المجتمع وصولاً إلى «الصيغة المصرية» كما يقول خبير غربي الذي يلاحط إن الإخوان لا يضرهم كثيراً ما تفعله الكتائب الجهادية مثل جبهة النصرة أو ما شابهها من جماعات تكفيرية، لا بل على العكس فهم يستفيدون من «نفور شرائح واسعة» من تطرف هذه الكتائب لاستيعابها وتأمين متطلبات المواطنين عبر شبكات عمل اجتماعية بدأت تأخذ طابعاً جدياً في المناطق المحررة. ومنها يخلص الخبير إلى تفسير رفضهم لأي حكومة مؤقتة لا يسيطرون عليها بشكل فعال وحازم. لسان حالهم هو «لا ضير من الانتظار».
كذلك هو لسان حال رئيس الائتلاف الخطيب، فهو إلى جانب تخوفه من أن يقود إعلان حكومة مؤقتة إلى «تثبيت الخطوط على الأرض وتقسيم سوريا»، لا يرى أي مصلحة لتياره الضعيف نسبياً (عشرة أعضاء من أصل ٧٢ عضو في الائتلاف) إعلان حكومة مؤقتة لن يكون له فيها أكثر من ممثل أو اثنين في أحسن الأحوال. كما أنه يرى في مسألة الحكومة محاولة «قطرية لإضعافه» حسب قول أحد المقربين منه، ليس فقط بسبب «تمايز سياسته المنفتحة على الحوار وعلى بيان جنيف» بشكل عام، بل لكونه بدأ يستقطب الاهتمام الدولي وبدأ وزنه على الساحة الدولية يتجاوز وزنه في الائتلاف، إلى جانب نوع من التأييد المتزايد في الداخل السوري، أضف إلى أن نخبة من «تجار دمشق» المتخوفين من وضع يد قطرية أو تركية على الاقتصاد السوري بعد الأسد، يرون فيه شخصاً يمكن الوثوق به. لذا رفض الخطيب (معتذراً) الذهاب إلى اسطنبول ولكنه لم يتردد من انتقاد «طريقة الدعوة إلى اللقاء» والذي تم من دون استشارته.
سبب هذه الدعوة «المستعجلة» معروف من الجميع وهو سباق مع الوقت لتلبية شرط الجامعة العربية لتسليم مقعد سوريا للمعارضة: إقامة حكومة مؤقتة. والدوحة تستعجل هذه الحكومة قبل مؤتمر القمة في ٢٦ من هذا الشهر والذي وزعت له الدعوات. ومن هنا ليس من المستبعد أن تعمل الديبلوماسية القطرية والتركية على محاولة تأمين لقاء ثالث خلال اسبوع يعلن حكومة مؤقتة، إلا أن ديبلوماسي عربي يشير إلى «فتور سعودي ومصري» تجاه هذه الخطوة التي ترمي إلى «قطع طرق الحوار» وبالتالي كسر التقارب والتوافق الأميركي الروسي. كما أن القاهرة تقف وراء الخطيب في تخوفه من «تقسيم سوريا» وانكفاء القوى التي تدعم الأسد إلى الجنوب مع فرز طائفي ومذهبي يغرق بلاد الأمويين في نزاع طويل وينتقل إلى العراق ولبنان، خصوصاً إذا تم إفشال الحوار الروسي الأميركي.