في ظل الإشتباك السياسي الحاصل في لبنان منذ العام 2005 , بين قوى الثامن من آذار وقوى الرابع عشر من آذار ، وبغياب أي فرصة لأطراف سياسية أو تيارات مستقلة بالتسلل الى الواقع القائم والتأثير في الرأي العام ، وفي ظل محاولات يتيمة من بعض الأطراف أو قوى المجتمع المدني لكسر هذا الإحتكار السياسي ، كما حصل في التظاهرات والإعتصامات السابقة ضد الطائفية السياسية ولاحقا من خلال التحركات لدعم إقرار الزواج المدني الإختياري ، فإن المؤشرات لا توحي بإفساح المجال أمام أي تغيير للخريطة الموجودة ، ولو حصلت بعض المناوشات المحدودة داخل فريق الرابع عشر من آذار على خلفية قانون الإنتخاب الأرثوذكسي .
هذا الواقع لم يمنع القوى اليسارية أو ذات الأهواء اليسارية ، كما بعض الحالمين بالناصرية والقومية العربية ، من محاولة التحرك ، مستغلين مرحلة الفراغ على مستوى المشروع الوطني الذي يعنى بأحوال المواطن وحاجاته إجتماعيا وإقتصاديا بعيدا عن إنتماءه الطائفي والسياسي ، هؤلاء حاولوا العبور عبر بوابة رفض مشروع القانون الأرثوذكسي كما رفض المشاريع الطائفية في البلاد ورفعوا شعار ” إرحلوا وخذوا فتنتكم ” ، كما من خلال التضامن مع من سبقهم الى التحرك على مستوى الوطن ، وهم هيئة التنسيق النقابية التي دعت الى الإضراب العام، ولا تزال تخوض معركتها مع الحكومة اللبنانية من أجل إقرار سلسلة الرتب والرواتب ، وهو المشروع الذي يشمل شرائح واسعة من العاملين في القطاع العام ، تبدأ بالأساتذة ولا تنتهي بالإدارات الرسمية ، وهو تحرك غير طائفي وبعيد عن الإصطفافات السياسية ، ومنهم من ذهب في وصفه بأنه ” ربيع لبنان” الآتي ، ولو أن الأحلام الشيوعية لم تغادر بعض قادته لا سيما حنا غريب والذي إنضم أيضا الى تحرك القوى اليسارية .
هذا الحراك على المستوى المطلبي المدني اللا طائفي ، تزامن أيضا مع تحركات على المستوى النسائي للمطالبة بإقرار قانون حماية المرأة من العنف الأسري كما بمسيرات تطالب بتحسين أوضاع النساء وضد الطائفية والتمييز وهي لا تخلو من الهوى اليساري ، سيما وان رئيسة لجنة حقوق المرأة ليندا مطر كانت على رأسها .
هذه الصحوة اليسارية التي يشهدها لبنان هذه الأيام على مستوى المطالب الإجتماعية المدنية ، لا تخلو من نوستالجيا أو ما يمكن توصيفه في بعض الأحيان ” شيزوفرينيا ” بين الواقع الطائفي والإنقسام الحاد المذهبي الذي يهدد بالوصول الى حافة الحرب الأهلية ، وما يحلم أو يتمنى البعض أن يصل إليه لبنان من بلد علماني عبر فصل الدين عن الدولة ، وسيادة مبدأ الديمقراطية الفعلية والحرية والعدالة .
مما لا شك فيه ان مشهد التظاهرات السلمية من أجل مطالب إجتماعية غير طائفية ، تثير الحنين لدى الكثيرين ممن عاشوا زمن ” العصر الذهبي ” لليسار اللبناني كما على مستوى العالم ، كما تزرع الأمل ولو ضئيلا بالتغيير ، إلا أن الواقع الذي أثبته إقرار القانون الأورثوذكسي ولو في اللجان فقط ، يوحي بعكس ذلك . وحدها صورة الرئيس الفنزويلي الراحل هيوغو تشافيز التي رفعت في التظاهرة ، عبرت عن نوستالجيا سبقه تشي غيفارا إليها ، لكنها بقيت .. عاطفية