- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

فتن الوقت الضائع

نجاة شرف الدين

“زمط البلد من قطوع الفتنة “، جملة تداولها اللبنانيون فيما بينهم كما على مواقع التواصل الإجتماعي ، إضافة الى العديد من التعليقات على الحادثة التي وقعت يوم الأحد في السابع عشر من آذار ، والتي تعرض خلالها الشيخان ” مازن الحريري ” و” أحمد فخران ” من دار الفتوى للضرب وتم حلق لحية أحدهم ونقلا الى مستشفى المقاصد ، وتزامن ذلك مع تعرض الشيخين حسن عبد الرحمن وعدنان إمامه للإعتداء في منطقة الشياح ، وفي غياب الرؤساء الثلاثة عن البلاد ، فرئيس الجمهورية يقوم بجولة في إفريقيا ، ورئيسي المجلس نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي يقومون بواجب حضور تنصيب البابا الجديد في الفاتيكان .

هذا القطوع الذي نقل لبنان الى جو التوتر الشديد ، والذي لم يغادره لوقت طويل ، لم يكن الأول ، فالأحداث الأمنية الأخيرة والمترافقة مع جو من الشحن الطائفي والمذهبي ، والمتنقلة من منطقة الى أخرى تنذر وفي كل مرة بفتنة محتمة ، لتدخل العناية الإلهية في اللحظة المناسبة وقبيل الإنفجار الكبير وتوقف توسيع دائرة الحدث . إلا أن ما حدث هذه المرة ، كان مختلفا بالشكل والمضمون ، فالمستهدف رجال دين من الطائفة السنية ، والمكان الذي تم التعرض لهم فيه ، هي مناطق تصنف باعتبارها ذات أكثرية سكانية شيعية ، وربما في هذه الأيام تعتبر مجرد ربط المكان والأشخاص أكثر من سبب كاف لإثارة الفتنة .
صحيح أن أحداثا عدة وقعت ولا تزال ، ففي الشمال ، جبهة جبل محسن باب التبانة لم تهدأ ، والتهديدات يومية إضافة الى عمليات طعن متبادلة ورصاص من حين لآخر ، كما أن الخروقات على الحدود السورية اللبنانية ولا سيما في منطقة القصير أيضا لم تتوقف ، ودخلت الرسائل المباشرة بين الخارجية السورية ولبنان ، عبر رسالة تدعو الى وقف إرسال من أسمتهم بالإرهابيين ، الى سوريا وما تبعها من مواقف في الداخل اللبناني المؤجج أصلا على خلفية الصراع في سوريا . واستمرت أيضا التحركات والإعتصامات للقوى الإسلامية في طرابلس والشمال .
وفي صيدا ، وفي منطقة عبرا تحديدا، لم تنته فصول تحركات الشيخ أحمد الأسير ، وهو يقوم بنشاطات لا تقتصر على خطبة يوم الجمعة ، بل تتعداها الى إعتصامات ولقاءات ودعوات للتجمع ، تحت عناوين مختلفة من السلاح الى بيوت عبرا الى غيرها . أما بقاعا ، فعرسال لا تزال تنتظر القبض على من قتل النقيب بيار بشعلاني والمؤهل أحمد زهرمان من الجيش اللبناني ، وهو الحادث الذي كاد ان يؤجج حربا بين الجيش وأهالي المنطقة ، ليضاف الى المشاكل الموجودة أصلا على خلفية فتح الحدود غير الشرعية بين المنطقة وسوريا .
كل هذه التوترات والتي تتردد أصداءها أيضا في بيروت ، من خلال إعتصامات وقطع طرق في العديد من المناطق ، كانت تنتظر تدخل الجيش والقوى الأمنية و بعض رجال السياسة وإطلاق الدعوات للتهدئة كي تمنع  إمتداد الإزمة السورية الى الداخل اللبناني حتى الآن .  إلا أن حادثة الشيخين في الخندق الغميق والشياح ، وعلى الرغم من إدانتها من الجميع وعلى رأسهم المراجع الدينية من المفتي الشيخ محمد رشيد قباني الى الشيخ عبد الأمير قبلان مرورا بالرؤساء الثلاثة والسياسيين جميعهم ومنهم الرئيس سعد الحريري الذي إتهم النظام السوري بمحاولة تصدير الأزمة الى لبنان ، لكن ما حدث هز البلد ، النائم على حرير القرار الدولي بضرورة الإستقرار فيه وإعتباره حاجة ، وطرح أسئلة عن مدى إمكانية أن يجر الشارع هذه المرة البلد نحو أتون حرب داخلية غير متوقعة .
في إنتظار التطورات في سوريا ، يعيش لبنان على وقع التوترات أو الفوضى إنما المحكومة بسقف الإستقرار ، في ظل الوقت الضائع سياسيا بغياب مشروع التسوية في سوريا  وبغياب مشروع تسوية خليجية إيرانية ، فهل يستطيع ان يتجاوز المزيد من الفتن المتنقلة في الوقت الضائع ؟