- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

سعد الحريري: جعجع رئيساً للجمهورية

إميلي حصروتي
هو  أحد هؤلاء القادة الذين لا يمتلك الواحد تجاههم إلا الكره الشديد أو الحب الشديد: هو أمير من أمراء الحرب اللبنانية الأهلية التي خلّفت وراءها مئات آلاف  القتلى والقصص الموجعة والآلام، قائد ميليشيا سابق، هجّر وسرق وقتل وخطّط وفجّر وانتهى في السجن مع أحكام قضائية مؤبدة إلى أن أصدر المجلس النيابي اللبناني عفوا خاصا عنه سنة 2005، فخرج إلى الحياة السياسية تائبا وزعيما شعبيا وقد غفر له نظام التسويات اللبناني كل خطاياه، إنه رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع.
لقد أصبح من الصعب إنكار ثقل جعجع السياسي والشعبي مسيحيا بعد انقسام لبنان إلى معسكرين شيعي- مسيحي و سني- مسيحي. لم يتسلّم أيّ منصب رسمي في الدولة اللبنانية منذ خروجه من سجنه وهو تخلّف عن الترشح للإنتخابات النيابية اللبنانية في 2009، ولكنه في ليل أمس وجد نفسه مرشحا لرئاسة الجمهورية اللبنانية إن شاء وبدعم رئيس أكبر كتلة نيابية في لبنان، رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، فماذا جرى؟
لليوم السابع على التوالي، ومن دون كلل تواعد أنصار سعد الحريري وخصومه على لقائه معهم عبر موقع التواصل الإجتماعي “تويتر”، في عادة أرساها مؤخرا على نسق أشهر القادة الغربيين. فبعد الفرقعة السياسية التي أحدثها جوابه منذ أيام بأنه لن يدعم وصول رئيس مجلس النواب اللبناني الحالي نبيه برّي لرئاسة برلمان لبنان بعد انتخابات 2013 النيابية، عاد ليل أمس وعبر الموقع نفسه، ليفجّر قنبلة من العيار الثقيل حين ردّ على سؤال حول ما إذا كان مستعدّا للتصويت لسمير جعجع لرئاسة لبنان بعد الانتخابات المقبلة أم أنه يفضل مارونيا من تيار المستقبل، فكان جوابه الصاعقة: “سأصوّت له بسرعة نبضة قلب وبالخط العريض”!
يشكّل موقف سعد الحريري هذا تجاه حليفه في حركة 14 آذار سمير جعجع، أقصى ما يمكن لزعيم سنّي أن يقدّمه لزعيم ماروني في لبنان. فمنذ اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وخروج رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية من سجنه، وجد الرجلان نفسيهما في عدّة معارك سياسية خاضاها جنبا إلى جنب، وكان آخرها خسارة سعد الحريري الأكثرية النيابية إثر انشقاق رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط عن تحالفه معه ومع حركة 14 آذار وتسمية حليف الحريري اللدود نجيب ميقاتي رئيسا لحكومة لبنان الحالية.
لم يقتصر وقوف سمير جعجع مع سعد الحريري في هذا الموقف الصعب فقط، بل أنه انضمّ إليه أيضا في حملة هي الأشرس أدارها هذا الأخير ضدّ حزب الله قبل أن يدير ظهره متجها الى الرياض، إذ دعا لتجريد الحزب المقاوم من سلاحه، متهما إياه باستخدام هذا السلاح لترهيب السياسيين اللبنانيين وبسط سيطرته على البلد. ويمكن القول ان الحريري نجح إلى حدّ ما بنقل مخاوف جزء من اللبنانيين، ومنهم جمهور القوات اللبنانية، الذين يرون في سلاح حزب الله تهديد داخلي لهم و لخياراتهم الدستورية، فتحوّلت مناداته بوضع سلاح حزب الله تحت أمرة الدولة اللبنانية إلى شعار أساسي لحركة 14 آذار، بعدما  كان مجرّد الحديث في الموضوع من المحرّمات.
إن وجود رئيس حكومة  لبنان السابق سعد الحريري في الرياض لأسباب متنوعة و ابتعاد وليد جنبلاط إلى المقلب الآخر قبل تموضعه الأخير، وضعا ما تبقى من قادة ثورة الارز وجمهورها في حال من الشك في وجودها زاده الظرف الإقليمي السياسي سوءاً. وحده سمير جعجع، بنبرته العالية وحضوره ومجموعة الأنشطة التي أدارها، صمد إلى جانب الحريري الشاب وتحوّل إلى رئته في الداخل اللبناني ريثما يحظى بالوقت الكافي ليستردّ أنفاسه بعد معركة الحكومة الخاسرة.
علاقة الرجلين ترسّخت وتعمّدت بخيانات وأنانيات الاصدقاء المشتركين وبانقلابات دولية واقليمية مربكة لم تكن يوما في الحسبان. وما قد يبدو للوهلة الأولى ردّ جميل ولحظة صداقة عظيمة في عالم افتراضي أرسى قواعده “تويتر”، يبدو مستحيلا بالفعل في الواقع لأسباب قد تتعلق بشريحة هامة من جمهور سعد الحريري السنّي نفسه وماضي القوات اللبنانية الموسوم بعلاقاتها مع اسرائيل وحربها ضد الفصائل الفلسطينية في لبنان. قديما قيل أن المستحيلات ثلاث، الغول والعنقاء والخلّ الوفي، لكن بعد وفاء سعد الحريري الساطع لصديقه سمير جعجع في موقفه ليل أمس، كثر سيقولون أن ثالث المستحيلات هو وصول سمير جعجع إلى رئاسة جمهورية لبنان بعدما أثبت الحريري لهم وجود الخلّ الوفي.
أخيراً، لا بدّ من التنويه أن سمير جعجع ليس قائد المليشيا السابق الوحيد الذي تدنّست يداه بدم الشعب اللبناني، إنه عضو آخر في نادي الزعماء اللبنانيين الذي يضمّ أشرس العقول الميليشياوية في الشرق الأوسط و أكثرها فساداً.