- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

أشباح كونغرس في سماء أمريكا

(خاص بالاتفاق مع الصحافي في BFM)

ما الذي دفع واشنطن لسحب تمويل منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة وترعى الثقافة والتربية؟ يقول المسؤولون الأميركيون إنها القوانين التي يفرضها الكونغرس على الإدارات ويؤطر بموجبها المساعدات الأميركية.
وبالفعل قد  قرّرت الحكومة الأميركية تطبيق قانونين اثنين يعودان لعام 1990، ولهذه القوانين تداعيات مباشرة على السّياسة الخارجية، فهي تقضي بمنع الولايات المتحدة الأميركية من تمويل أي مؤسسة دولية إذا قامت هذه الأخيرة بالموافقة على قبول عضوية دولة غير معترف بها كدولة قائمة.
إنّ هذه القوانين الغريبة ليست في حقيقة الأمر إلاّ مصدر دراما نفسية حالياً. امنحوني بضعة أيام لاستيعاب أسباب التعامل بهذه التّشريعات قبل عشرين عاماً. أنا لم أعثر على أيّ أثر لنقاش بشأن هذه القوانين الغريبة ما عدا تلك النّصوص المجتزئة للقوانين عرضتها جريدة “نيويورك تايمز” أو ما تمّ عرضه مؤخّراً على موقع وزارة الخارجية الأميركية في الملخّص الصحافي لمؤتمر المتحدّثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند.
تقول فيكتوريا نولاند إنّ الخارجية ترغب في لقاء الكونغرس لمناقشة هذا “القانون المقيّ”، والمقصود هنا تلك القوانين التّي تلزم الدبلوماسية الأميركية التّصرّف بطريقة أو أخرى. وتضيف نولاند إنّ الولايات المتّحدة تريد البقاء داخل منظمة اليونسكو وإنّها باستطاعتها القيام بالكثير من الأعمال الحسنة، ولو أنّها توقّفت عن دفع المستحقّات المالية لليونسكو، علماً أنه بعد سنتين قد يؤدّي توقفها عن الدفع إلى دفعها خارج المنظّمة الدولية. ويفهم من أقوال نولاند أنّ اليونسكو لها نظامها الدّاخلي الخاصّ واستبعاد الولايات المتّحدة محتملّ جدّاً.
ضمنياً، قام المشرّع الأميركي في التسعينيات بتعقيد ملف قضية فلسطين ولم يأخذ بعين الاعتبار النّتائج المترتّبة في حالة قطع التّمويلات، والمقصود هنا استبعاد الولايات المتّحدة من اليونسكو. تصويت سلبي واحد كان كاف لفهم إستراتيجيا الخارجية الأميركية، لكن الامتناع عن دفع المستحقّات من شأنه أن يؤدّي بالولايات المتّحدة بعيداً، بل من المحتمل أن يصبح هذا الحظر التمويلي مدعاةً للسّخرية تجاه الولايات المتّحدة.
خلاصة القول، إنّ إدارة أوباما كانت ترغب في مواصلة دفع المستحقّات، حتى لا تتكرر مسألة عودة الولايات المتّحدة إلى منظمة اليونسكو منكسرة كما حصل في عهد جورج وليام بوش بعد انقطاع دام ١٩ عاما (من عام 1984 إلى غاية 2003). الآن أوباما حاضر في المنظمة الدولية لكنّه لا يدفع مالاً.
وبالطبع إسرائيل ستسلك المنهاج نفسه. وهذا يفتح الباب على سؤال مهم: لماذا توقفت الولايات المتحدة عن دفع المعونات للفلسطينيين؟ امتناع الولايات المتّحدة عن إمداد السّلطة الفلسطينية بمساعدات مباشرة بعد انضمام هذه الأخيرة لليونسكو مسألة لا علاقة لها البتة بنصوص قوانين تواجدت سابقاً، مثل رفض سياسي للكونغرس قضية التّمويل.
ولذلك نتائج…  في اليونيسكو
عندما أعلنت إيرينا بوكوفا، بعد امتناع الولايات المتّحدّة عن التّمويل، أنّ البرنامج التّربوي المخصّص لتاريخ المحرقة اليهودية في خطر إن لم يتمّ تمويله بطريقة صحيحة ومنظّمة، يخطر على بالنا هذا السّؤال، ألا يشكل إعلان بوكوفا نوعاً من الابتزاز والتهديد على طريقتها الخاصة؟
لقد قمت بعدد من التّحقيقات ويتبين أن لليونسكو برامج شبه مستقلّة، بتمويلات منفصلّة أحياناً حكومية وأحياناً خاصة، وهو الحالّ بالنّسبة لبرنامج تعليم محرقة اليهود، فهو برنامج تشارك فيه ست دولّ، من بينها الولايات المتّحدة وإسرائيل وفرنسا. هذا يعني أنّ تمويل البرنامج ليس مدرجاً في تمويل ميزانية اليونسكو وأنّ السّيدة بوكوفا أفرطت نوعاً ما في تحذيرها. هذه التّمثيلية الصّامتة والمصوّرة لبوكوفا هي رسالة للدغ الولايات المتّحدة، محتواها أنّ اليونسكو لم تعدّ لديها رغبة في ترك رعاية برنامج المحرقة بين أيدي الولايات المتّحدة وإسرائيل.
لعلّنا نخلص إلى القول إنّ قضية قطع التّمويل هي الفوضى بعينها التي خلقتها قوانين الكونغرس الأميركي في مواقف ترضي الحكومة الإسرائيلية التّي لم تكن تطلب بالضّرورة مثل هذا التّصرّف المتطرف.
وقد أزمت مسألة قبول فلسطين في اليونيسكو والتصويت الفرنسي إلى جانبها العلاقات بين فرنسا والولايات المتّحد ، وهي الغيمة الأولى في سماء العلاقة الثّنائية بين ساركوزي وأوباما. ولكن البلدين تربطهما علاقة متينة يعود عهدها إلى معاهدة التّحالف لعام 1778، وبالتّالي فهي علاقة أمتن من علاقتهما مع اليونسكو.

Harold Hyman