- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

… قبل أن يتفاوض النظام السوري مع جبهة النصرة

نقطة على السطر

بسّام الطيارة
قبل يومين بايعت جبهة النصرة السورية المعارضة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، في تسجيل صوتي نُشر على الانترنت. إلا أن زعيم الجبهة أبو محمد الجولاني «نأى» بالجبهة  عن إعلان وحدة بين تنظيمه وتنظيم القاعدة في العراق تحت تسمية «الدولة الإسلامية في العراق والشام». لكنه لم ينف «مبايعة الظواهري، لا بل أكد على «السمع والطاعة لشيخ الجهاد». وأقر بتلقي المساعدة من تنظيم القاعدة في العراق الإسلامية منذ الأيام الأولى للانتفاضة السورية ضد  بشار الأسد.
بعد أربع وعشرين ساعة أقرت ميليشيات شيعية عراقية علناً بأنها تقاتل في سوريا ضد المعارضة المسلحة الساعية للاطاحة بالأسد وتقاتل بشكل خاص «المقاتلين السنة». ولا يتردد هؤلاء بالقول إن قتالهم في بلاد الشام هو «استجابة لزعيمهم الديني آية الله علي خامنئي» الزعيم الايراني وإن هم لمحوا إلى أن مشاركتهم تتم من دون موافقة رسمية من طهران أو بغداد.
إلى من يتردد في وصف القتال في الأراضي السورية بأنه «نزاع مذهبي» عليه أن يعيد حساباته ويعيد قراءة ما يحصل على الأرض.
لا شك بأن الثورة بدأت للتخلص من نظام ديكتاتوري يتربص على كرسي الحكم منذ أربعة عقود، إلا أن الواقع اليوم هو واقع حرب مذهبية بين سنة وشيعة تأكل الأخضر واليابس، وبدأت تعبر الحدود شرقاً نحو العراق الذي دخل المعركة بشكل غير مباشر بهذين الاعترافين، وجنوباً نحو لبنان حيث اعترف حزب الله بـ«الدفاع عن القرى الشيعية». ولا يخفي السلفيون دعمهم بالمال والرجال لـ«الثورة» في بلاد الأمويين.
لا بد أن «المعارضة» المنقسمة في الداخل والخارج تطرح على نفسها السؤال الكبير التالي: «ما العمل الآن؟» بعد أن سقطت الأقنعة ولم يعد هناك مجال للعب على الكلام والتحايل الألسني: فالقتال يدور في سوريا بين سنة وشيعة أي الكتائب «الجهادية» الفاعلة على الأرض.
بالطبع تشكل العناصر الإسلامية السنية المتشددة في الصراع مأزقاً للقوى الغربية . بينما لا تشكل مشاركة المقاتلين الشيعة أي إشكال لنظام دمشق… لا بل على العكس. إذ أن «مذهبة القتال» تساعده على جعل القلق من القوة المتنامية للمقاتلين الجهاديين السنة «رافعة» إعلامية لجذب التأييد من الخارج ولدى الأكثرية الصامتة في الشارع العربي، التي لا تريد أن تعيش تحت عباءة السلفيين. وتساعده أيضاً أفكار السلفيين المناهضة للشيعة لزيادة التوتر الطائفي في منطقة الشرق الاوسط. ويذهب كل هذا في سياق إدامة النظام الأسدي بحجة حماية الأقليات من الهيمنة السلفية.
ولكن كما قال الشاعر «يأتيك بالأخبار من لم تكلف». هذه الأقليات التي كان وجودها وانصهارها في نسيج مجتمعات الشرق الأوسط «ضمانة» لتعدد الأديان والمذاهب بدأت تنظم نفسها على نسق ديني مذهبي محض.
فقبل أيام عقد لقاء في باريس تحت تسمية «منظمة السوريين المسيحيين من أجل الديمقراطية» (ومركزها الأساسي في الولايات المتحدة) ولا يمكن إخفاء توجهها «الديني» رغم وجود كلمة ديموقراطية في باطنها وحضور بعض وجوه المعارضة العلمانية -مسيحيون وغير مسيحيين- وممثل عن وزارة الخارجية الفرنسية.
في ألمانيا، في السويد وفي عدد من البلدان الأوروبية بدأت الأقليات الدينية المسيحية السورية مثل الآشوريين والسريان والأرمن تطالب بالتسلح والتسليح في محاكاة لتسلح «السنة والشيعة والعلويين والكورد والدروز المدعومين من أطراف خارجية» كما كتب أحدهم للحزب المسيحي الديموقراطي الألماني.
في السويد تطالب الشبكة الآشورية لحقوق الإنسان بتسليح المسيحيين تحت شعار «الحرية والديمقراطية» بينما يطالب «الاتحاد السرياني الديمقراطي» من ستوكهولم المجتمع الدولي بـ«تشكيل منطقة عازلة من أجل أمن المسيحيين».
تنصت للأخبار وجولة صغيرة على المواقع وعلى فيسبوك تكفي لتكوين صورة لـ«فسيفساء القتال» التي ترتسم في الأراضي السورية، وكل ملم بقليل من الجغرافيا يدرك بأن هذه اللوحة «المتنوعة للمقاتلين» لا يمكن أن تقف عند حدود الدولة السورية، إذ أن هذه الألوان الدينية متواجدة بنفس التنوع في الدول المحيطة.
على المعارضة السورية اليوم أن تخرج من جدلية «كل شيء أو لا شيء» وأن تقدم «برنامجاً سياسياً» للقوى التي «تحمي» النظام الأسدي. عليها أن تتفاوض مع «من تلوثت أيديهم بالدماء» لأنهم هم قوى الواقع على الأرض. الذين لم تتلوث أياديهم بالدماء لا يمونون على شيء، بل لا يضمنون أمنهم الذاتي وهم مقيدون على كراسيهم من قبل النظام. على الثورة أن تتفاوض مع النظام قبل فوات الأوان أي قبل أن يلتفت النظام للتفاوض على «هدنة» مع القوى الصاعدة على الأرض أي جبهة النصرة وأخواتها.