- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

النأي عن …سيل الحرب السورية والخيمة اللبنانية

نقطة على السطر
بسّام الطيارة
«النأي بالنفس عن…» كلمة أنزلتها السياسة اللبنانية من قاموس المعجمات إلى ساحة التداول الإعلامي فصارت كما يقال «على الموضة».
يقول «لسان العرب» في النأي إنه «البُعد» و«المفارقة» ويستجلب قول شاعر «وأطفأتُ نيران الحروب وقد علَت — ونائَيت عنهمْ حروبَهُمْ فتَقَرَبوا».
عندما استجلب ساسة لبنان هذا الفعل لوصف سياستهم تجاه ما يحصل في سوريا لربما استذكروا معانٍ أخرى مشتقة من هذه المفردة الجميلة وهي «النأْي» أو «النُّؤَى» وهي عند العرب «الحفرة حول الخيمة تدفع بالسيل يميناً شمالاً وتبعده عنها».
لقد تكلم ساسة لبنان ولفظوا تلك الكلمة … وجلسوا. لم يحفروا، ولم يفعلوا أي مجهود لإبعاد مخاطر سيل الحرب في سوريا عن الخيمة اللبنانية.
وكأن مجرد لفظ كلمة «النأي» تحمي لبنان فاعتبروا أنها طلسم سحري يمكنه أن يبعد المخاطر. رموها في ساحة مفردات الاستعمالات الديبلوماسية. فترجمها ديبلوماسيون غربيون «يسهرون» على راحة لبنان بـ«البعد والابعاد» (distanciation) في الفرنسية أو (distance) أو (farness) في الإنكليزية مع إمكانية استعمال للمفردة الفرنسية في تعامل الوكالات التي تغذي وسائل الإعلام وبالتالي تساهم في بناء «تفهم» لوضعية لبنان في الأزمة السورية.
ولكن بعد البحث والتدقيق تبين أن «المتلقي الغربي» عند سماعه لكلمة «النأي» (distanciation) يقع في فخ من زوبعة أفخاخ ألسنية لاستعمالات هذه الكلمة: في مسرح «بريخت» الألماني (Verfremdungseffekt) أو في السينما أو التلفزيون هي المسافة الموضوعة بين المشاهد والمسرح (أو الشاشة) وتسمى الحائط الرابع، وفي علم النفس حسب «فرويد» الذي يتكلم عن «وضعية الابتعاد عن النفس»، وأخيراً فلسفياً حسب تفسير «ديكارت» الذي يصف هذا الفعل بأنه وضعية «أن لا نعتبر لنا ما هو خارج عن الأنا».
في الواقع إن ساسة لبنان «فلاسفة» أخذوا بالمعنى الفلسفي الديكارتي: «لا يعتبرون الحرب السورية حربهم طالما هي خارج بلادهم اللبنانية». ولكن لم يمنعهم هذا من الانغماس حتى الغرق في أتون هذه الحرب.
١٤ آذار بحجة مساعدة «أخوية» للثورة.  ٨ آذار بحجة مساعدة «أخوية» لمنع مؤامرة على النظام. في ١٤ آذار كان بينهم وبين النظام ما ما صنعه الحداد من أدوات الانتقام، وفي ٨ آذار كان بينهم وبين الثورة ما صنعته تصريحات الثوار حول إقفال حدود بعد الانتصار وحشر مؤيدي النظام السوري اللبنانيين داخل قفص ترتيبات غربية.
نرى أن أي من الفريقين لم يأخذ بما حملته كلمة «نأي» من معنى «البعد والابتعاد». لقد ظن كل فريق بأنه يكفي «لفظ» كلمة النأي لإبعاد المخاطر عن «الوطن لبنان»، بينما هو يساهم مباشرة وبشكل غير مباشر بالحرب السورية.
اليوم زالت المسافات بين لبنان وبين نيران الحرب الدائرة في البلاد السورية وبدأت ألسنة اللهب تلفح الشمال اللبناني، الأحوال الجوية للمنطقة تنذر برياح يمكنها أن تؤجج حرائق الشمال المستعرة وتوجه النيران جنوباً لحرق لبنان «الأخضر».

هل ينأى اللبنانيون عن إطفاء الحرائق داخل خيمتهم ؟