- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

١ v/s ٩٩ : أي نموذج لبناني؟

نقطة على السطر

بسّام الطيارة

لم أشاهد الحادثة على شاشة التلفزيون بل على شبكة الانترنت. ما أن أنتهى الفاصل المخزي من «تبادل وجهات النظر» بالسباب والشتيمة وتكسير الأكواب وحمل الكراسي بين ‫مصطفى علوش وفايز شكر، حتى ذهب تفكيري مباشرة إلى «الأطفال والأولاد والشباب والشابات» الذين يشاهدون أو قد يشاهدون هذا المقطع من «حياة لبنان السياسية». لسان حال تفكيري كان: أي انطباع تربوي يمكن أن يتركه هذا المقطع لدى هذه الشرائح؟ ‬
شكر وعلوش، إن تمت دعوتهما إلى “بلاتو” تلفزيوني، فذلك على اعتبار أنهما يمثلان تيارات سياسية ويتصدران قطاعات من الرأي العام (opinion leaders)، وبالتالي، كل ما يخرج من فيهما يكون مؤشراً مستقبلياً لمن يشاهدهما ويتابعهما في سعيهما لكسب تأييده. هل نجحا؟‬
أحسست نفسي خجولاً عنهما. تساءلت كيف سيعودان إلى منزليهما؟ بأي وجه سوف يقابلان معارفهما؟ حتى لا أقول أولادهما وأقرباءهما؟ كيف يمكن لهما أن يمشيا على الرصيف بعد هذا القاطع السياسي في حياتهما؟ ماذا سوف يقولان للبقال؟ للجزار؟ للسكرتيرة؟ لسائقيهما؟ أي صورة سياسيين قدماها للشعب اللبناني وللعرب وللخارج ولـ…”فايسبوك” و”يوتيوب”؟ ‬
شاهدنا في السابق على شاشات التلفزيون بعض المشاجرات في برلمانات، دم نوابها حامٍ مثل تايوان (محاولة توجيه لكمة)، أو مؤخراً إيطاليا (أعصاب فارطة بسبب الأزمة المالية واحتكاكات بالأيدي)، ولكن ما قدمه هذان الرجلان تجاوز كل ما رأيناه سابقاً بسبب «الكلام البذيء» الذي صدر عنهما. ‬
إحساس بطعم مرارة أعقب هذا الفاصل، رافقه إحساس عميق بأن هذين، رغم «تبادل ألقاب الدكترة» ليسا مهذبين البتة. إنهما غرباء عني وعن أصدقائي وغرباء عن «٩٩ في المئة» من الشعب اللبناني. ‬
مثلي مثل «٩٩»، لم نفعل شيئاً حتى نكافأ بهذا المشهد، ليشار إلينا بأن مثل هؤلاء يمثلون بعضنا. في الواقع، إن الأكثرية الصامتة في لبنان باتت أسيرة الـ «١». أسيرة نخبة صغيرة تحتل الفضاء السياسي والإعلامي، تصرخ عالياً باسم الـ «٩٩»، تتكلم باسمهم، تلفظ السباب والشتيمة باسمهم، تلفظ النابي والبذيء باسمهم. تتحرك وتتكلم وتثير ضوضاء، يُحرك حولها الإعلام ويجذب نحوها الأضواء. هدفها الظاهر سياسي ومحركها الوحيد وضع اليد واستزلام الـ«٩٩»، عبر الهيمنة بواسطة ضوضاء إعلامي.‬
هؤلاء الـ«١» وإن اختلفوا وتبادلوا السباب يتشاركون في وضع اليد على الفضاء الاقتصادي والقدرات المالية، هذا ما يجعلهم قادرين على تنويم الـ«٩٩» مغناطيسياً وشدّهم نحو نافذة التلفزيون ليشاهدوا قدرتهم على الظهور.‬
إنهم أقوى منا، أقوى من «٩٩» لأنهم يستطيعون ممارسة السب والشتيمة والاسفاف من دون حياء. نحن لا نستطيع. ‬
ولكن نحن ننظر إلى أولادنا وشبابنا ولا يقلقنا ما قلناه أمس. نمشي في الشارع وعلى الرصيف من دون حرس ولا مرافقين وليس عندنا ما نخجل منه. ‬
ولكن يبدو أن «١» أيضاً لا يخجل.

وإلى أن نحل مسألة انتصار الـ«١» على «٩٩» فإن التلفزيون سوف يقدم من حين لآخر مقاطع بذيئة مثل ما هو اليوم موضوع على فايسبوك للمشاهدة والتقيؤ.‬