- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

في السجون المصرية

كنت قد التقيت به في زيارة سابقة في شهر مايو (أيار) الماضي في مركز. هشام مبارك الحقوقي (لا توجد أي صلة مع الرئيس المخلوع) الذي يتبنى قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان. وسبق لي أن وصفته كيف يجلس وراء مكتبه المليء بالملفات المكدسة. هو أحمد سيف الإسلام، يدخن سيجارة وراء أخرى. وتحت مظهر يبدو هشاً تنبع منه طاقة فائقة وقدرة على التصدي لكافة الأسئلة والطلبات التي كنت تقطع حديثنا: فهنا صحافيٌ يحدثه عن إضراب أحد دملائه عن الطعام بسبب رفض النقابة تسجيله كعضو فيها، فتناول سماعة الهاتف ويتصل مباشرة بوسائل الإعلام يخبرها، ثم يطلب إرسال طبيب للسهر على صحة المضرب، وبعدها يتصل بالمدعي العام.‬
اليوم في ١٣ نوفمبر(تشرين الثاني) جلسنا على شرفة مقهى فندق مشرف على القاهرة وكلمني عن ابنه علاء عبد الفتاح الذي بات رمزاً هنا بعد أن قبض عليه. فقد أوقف مع زوجته (وهي مدونة شهيرة) من قبل القضاء العسكري لأنه رفض المثول أمامه بتهمة سخيفة وهي التحريض على الفوضى إبان تظاهرات ماسبيرو في الشهر الماضي، والتي ذهب ضحيتها ٢٥ قتيلاً غالبيتهم من الأقباط. وقد تم تمديد فترة اعتقاله اليوم لمدة خمسة عشر يوماً. علاء يرفض أن يحاكم المدنيين من قبل العسكريين. وهو يصف في رسالة جميلة جداً أرسلها من السجن هلع الآلاف القابعين في السجون العسكرية.‬
كتب يقول «في المرة السبقة كنت أشارك رفاقي الخمسين من حركة /كفاية/ …هذه المرة كنت وحيداً. إلى جانبي ثماني موقوفين. إنهم يضطهودننا هنا. البريء مثله مثل المذنب».‬ عندما علموا أني من «أبناء الثورة» لعنوا هكذا ثورة «لم تركِّع الداخل». يتابع: أمضيت أول يومين استمع لهما ولقصص تعذيبهم على أيدي شرطتنا. تلك الشرطة المصممة أن تبقى كما كان دائماً، والمصممة على أخذ ثأرها من أجساد المساكين وبسيطي الحال أكانوا مذنبين أم أبرياء.‬
ويكتب أيضاً: عبر قصصهم أكتشف ما وراء كواليس «هذه العودة إلى طبيعة الحال» في شوارعنا. يشاركني في زنزانتي اثنان يسجنا لأول مرة. شابان خلوقان العنف بعيد جداً عنهما. ما هي التهمة الموجهة لهم؟ تأليف عصابة! إذا أبو كمال لوحده يشكل عصابة مسلحة؟ آلان فهمت خطابات وزير الداخلية حول الأمن ونجاحه في بسط الأمن. تهاني لك سعادة الوزير!‬
صحيفة «الأهرام»، إحدى الصحف الثلاث المملوكة من الحكومة المصرية، تبنت في ١٤ نوفمبر اتهامات المدعي العام العسكري «سرقة بواسطة التهديد بالسلاح ومهاجمة أفراد القوى المسلحة والإضرار بالأبنية العامة إلخ…» كتبت كل هذا من دون أن تحمل نفسها مشقة إعطاء الدفاع حق الرد على هذه التهم. في الواقع فإن ممارسات الصحف الحكومية والتلفزيون الرسمي لم تتغير كثيراً منذ الثورة: فقد نقلوا خضوعهم من مبارك إلى القوات المسلحة. بالمقابل فإن الإعلام الخاص وعدد من المواقع على شبكة التواصل الجتماعي نددت بتوقيف علاء – بما فيه موقع الأخبار يمكن قراءته باللعة الإنكليزية هنا.‬
باسم محاربة غياب الأمن زُج في السجن ما يزيد عن ١٢ ألف شخص منذ سقوط النظام البائد. في بداية الأمر تم تحويلهم كلهم إلى القاضي العسكري، ولكن تحت ضغط المنظمات الحقوقية، وبعد أن تبين عدم القدرة القضاء العسكري من حيث التجهيزات على القيام بهذه المهمة التي تطال هذا العدد الكبير من الأشخاص، تم إعادة نصفهم إلى اختصاص القضاء المدني. ‬
يقول أحمد سيف الدين أن نصف هؤلاء المساكين من الطبقات الفقيرة التي ليست على دراية بحقوقها والتي قليلاً ما تستأنف ‬الأحكام. إن قرار الجيش الاستفراد بمحاكمة المدنيين يشكل نقطة مهمة وتستقطب تعبئة المنظمات الحقوقية. ‬
هذا ما يدفع لتساؤل حقيقي حول ما إذا كان الجيش مستعداً للتخلي عن الحكم للمدنيين.‬
Alain Gresh‬