- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

طهران تغازل المعارضة السورية

معمر عطوي

يبدو أن الموقف الإيراني تجاه المسألة السورية قد بدأ يشهد تطورات ايجابية لمصلحة الشعب السوري، بما يوحي أن أيام النظام، الذي يواجه معارضة ضخمة من الداخل والخارج، قد باتت معدودة، وحان لمن ساند الرئيس بشار الأسد منذ بداية ثورة آذار أن يحسب حساب “خط الرجعة” فيتصالح مع الشعب المظلوم قبل فوات الأوان.
الموقف الإيراني بدأ منذ أسابيع يشهد بعض التغييرات حين دعا كبار المسؤولين الايرانيين، وفي أكثر من مناسبة، النظام السوري لتحقيق مطالب شعبه والتفاهم مع المعارضة. موقف متطور أخلاقياً وحتى سياسياً، أكثر من مواقف حلفاء طهران ودمشق في لبنان الذين يصرون بعناد سلبي على ان الشعب السوري بمعظمه مع النظام، ويتبنون فبركات التلفزيون الرسمي السوري حول كذبة الجماعات المسلحة والسلفيين التي تم تكبيرها بصورة ذرائعية، على غرار كذبة وزير الخارجية الاميركي الأسبق، كولن باول عن سلاح الدمار الشامل في العراق.
لعل أبرز وأوضح موقف صدر عن مسؤولي الجمهورية الإسلامية، ما أعلنه أمين عام المجلس الأعلى لحقوق الإنسان، محمد جواد لاريجاني، في نيويورك، بأن “طهران تتعاطى مع الثورات بإيجابية وتعتبرها فرصة لكي تتنفس الشعوب وتعبر عن آرائها وتختار ممثليها بحرية بعد أن فرضت عليها دكتاتوريات قمعية مدعومة من الغرب”.
لاريجاني، الذي كان يشارك في اجتماعات اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة المختصة بشؤون حقوق الإنسان، تحدث للصحافيين في مقر الأمم المتحدة عن الواقع السوري بتفصيل يشير بوضوح الى أن ثمة قناعة لدى المسؤولين في طهران بأن تغييراً بات قريباً في دمشق على مستوى السلطة، وأن الإخوان المسلمين سيكون لهم حصة الأسد وفق هذا التغيير، تجلى ذلك بقوله: “ما يجري هناك ينقسم إلى ثلاثة أقسام. هناك الحكومة ومؤيدوها من جهة، ومعارضة على رأسها الإخوان المسلمون الذين يدعمون حركة “حماس” في فلسطين، وهناك أطراف أخرى مدعومة من الولايات المتحدة ودول أخرى، “وهؤلاء متورطون بأعمال عنف. ونحن ضد أي تدخل خارجي في سوريا.. وندعم خيارات الشعب السوري”.
فمن الواضح أن تنويه لاريجاني بدعم الاخوان المسلمين في سوريا لحركة “حماس” هو تمهيد للقول إن طهران تتقاطع مع الاخوان في دعم “حماس”، كذلك تأكيده على دعم “خيارات” الشعب السوري، يشير الى تحول في الموقف لمصلحة هذا الشعب المنتفض منذ أشهر بغية الحصول على حقوقه السياسية والاجتماعية وكرامته المسلوبة.
المسؤول الايراني المحافظ ذهب أبعد من ذلك حين تحدث عن مستقبل سوريا بوضوح أكبر، موحياً أن الإخوان سيكونون في السلطة. وضوح تجلى بقوله “أتوقع أن تستمر العلاقة بسوريا في المستقبل لأن علاقة إيران بالإخوان المسلمين سواء في مصر أو في سوريا جيدة”، مضيفا أن “سياساتنا قامت على دعم الديموقراطيات من خلال التعاطي مع الشعوب على أسس إسلامية”. وأبدى لاريجاني تفاؤلاً بمستقبل المنطقة وثوراتها كون الأنظمة السابقة كانت تقمع الأحزاب الإسلامية.
الاشارة الثانية على التحول في الموقف الايراني، صدرت عن الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي تحدث لصحيفة “اليوم السابع” المصرية، قائلاً إن بلاده لا تتدخل في الشأن السوري الداخلي ولكنها على اتصال بكل الأطراف في محاولة لرأب الصدع، مؤكداً انه لا يفرق بين ثورة اليمن وثورة سوريا لجهة أحقية المطالب الشعبية.
وقال إن طهران “طالبت الأطراف في سوريا بالتوصل إلى نوع من التفاهم وتحاول تقريب وجهات النظر بين الحكم والمعارضة لأن العنف يعطي فرصة التدخل للغرب بقوات حلف شمال الأطلسي، وهذا سيضر بالجميع حكومة ومعارضة”.
كلام نجاد عن علاقة طهران بكلا الطرفين السلطة والمعارضة في سوريا، أكدته صحيفة “ديلي تلغراف” بما كشفته عن محادثات بدأت منذ نحو شهر بين مسؤولين ايرانيين وقياديي “هيئة التنسيق الوطني للتغيير الديموقراطي” المعارضة في سوريا، والتقوا عضو الهيئة هيثم مناع وأعضاء آخرين في الهيئة، معتبرة ذلك مؤشراً دراماتيكياً على العزلة المتزايدة لنظام الرئيس بشار الأسد. وأضافت أن الهيئة تعارض بشدة التدخل الأجنبي في سوريا وتبدو أكثر قبولاً لدى إيران من المجلس الوطني السوري، والذي يطالب بتأمين حماية دولية للمدنيين هناك.
هذه المعطيات التي أتت على ألسن مسؤولين كبار في الجمهورية الاسلامية، تؤشر الى أن طهران بدأت تدرك أن التغيير حتمي في البلد الحليف، وأن حجز مقعد على المركب المبحر في ربيع الثورات العربية بات مصلحة ايرانية ملحة، فهل يدرك حلفاء طهران في لبنان جدوى الحكمة الايرانية من مغازلة المعارضة السورية حتى لا يستمر الرهان على حصان متوحش وخاسر في آن؟