- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

سوريا: السيناريو الليبي معدّلاً

زاوية حادّة

حسام كنفاني

سوريا إلى أين؟ سؤال يشغل المتابعين للوضع في بلاد الشام مع المسار التصعيدي الذي بدأت تسير به الأمور منذ قرار الجامعة العربية تعليق المشاركة السورية في اجتماعاتها. قرار دخل في متاهات النقاشات والمهل والمراقبين، من دون أن يفكّك عناصر التفجير التي باتت تعتري الملف وتضعه في أول طريق محاكاة السيناريو الليبي، لكن مع تعديلات جوهريّة، أبرزها التدخل العسكري الخارجي المباشر.

عناصر تشابه أخرى باتت تجمع ما حدث في ليبيا مع ما يمكن أن يحدث في سوريا. تشابه يبدأ من القتل اليومي لعشرات المتظاهرين  وتشكيل الإطار الجامع للمعارضة، لينتقل إلى الانشقاقات في صفوف القوات السورية. الجزئية الأخيرة هي الأهم في التشابه، ولا سيما أن الانشقاقات أصبحت كبيرة، بحسب ما يقول قادة “الجيش السوري الحر”، الذين يتحدثون عن 25 ألف جندي. انشقاقات تذكّر بالمرحلة المماثلة التي مرتت بها الأوضاع الليبية، حين بدأ الجنود والقادة العسكريون في الشرق يخرجون عن طاعة المركز في الغرب، ليحوّلوا بنغازي إلى “مقرّ للثورة” العسكرية، قبل أن تتمدد إلى سائر الأراضي الليبية.

لا مقرّ للثورة في سوريا إلى اليوم، وإذا كانت حمص تتصدر مشهد الحراك السلمي، فإن الطابع العسكري بات متمدّداً، وخصوصاً مع تصعيد العمليات العسكرية للقوات المنشقة، ولا سيما في درعا وحمص، قبل أن تصل إلى ريف دمشق. إلى اليوم لا تبنّي مباشراً لأحد من القوى الإقليمية للجيش السوري الحرّ على اعتباره نواة قوة بديلة للجيش النظامي، غير أن ما يجري الحديث عنه في الأروقة الدبلوماسية، ولا سيما مع تركيا، يؤشر إلى الاتجاه إلى رسم جديد مشابه للوضع الليبي.

الحديث بات يتمحور تحديداً حول المنطقة العازلة، التي من الممكن أن تلجا تركيا إلى إقامتها داخل الحدود السورية. منطقة من الممكن أن تتحول إلى قاعدة للثورة المسلحة، ولا سيما أن قياديي في “الجيش الحرّ” يسرّون بأن ألوية عسكرية كاملة تنتظر مثل هذه المنطقة لإعلان الانشقاق ونقل البندقيّة من كتف إلى آخر.

غير أن المنطقة العازلة مرتبطة بشكل مباشر بما ستؤول إليه جهود الجامعة العربية الممددة لإنهاء الأزمة السورية. قد لا يطول الوقت قبل إعلان الجامعة فشلها، ونقل الملف إلى مستوى دولي آخر، هو ما تبحث عنه تركيا، التي لا تخفي التفكير في المنطقة العازلة، غير أنها بانتظار تأمين شرعية دولية لها بغطاء عربي، تماماً أيضاً كما كان عليه الأمر في الملف الليبي، حين أُقرّت منطقة الحظر الجوي من قبل مجلس الامن بطلب مباشر من الجامعة العربية.

إلا أن المختلف عن السيناريو الليبي يتركز في جزئية التدخل العسكري المباشر، سواء عبر حظر جوي أو إنزالات برية. والبديل هو التدخل العسكري الداخلي. تدخل يبدأ من تصعيد الضغوط الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية على النظام لتأمين أرضية واسعة لتقبل التغيير. أرضية تكون في الأساس مؤلفة من العسكريين ورجال الأعمال، وبالتالي الدفع نحو مزيد من الانشقاقات السياسية والعسكرية عن النظام تمهيداً لما يمكن أن يكون انقلاباً داخلياً، ولا سيما أن القناعة العامة، التي عبّر عنها الصحافي البريطاني روبرت فيسك، هي ان “الأسد لن يرحل إلا إذا انقلبت عليه الدبابات”.

إنه السيناريو الليبي، لكن مع تعديلات جوهريّة تُبعد “الأطلسي” عن المشهد.