- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

أزمة المازوت تجتاح سوريا: عقوبات وفساد… والأطفال ضحايا

دمشق – رغدة العزيزي

لم يستطع شادي، التلميذ في الصف الثاني الابتدائي، ترديد اناشيد الوطن والطفولة على مسامع زملائه في الحصة الدراسية. فابن السابعة تصطك اسنانه وترتجف يداه من برد كاد ان يقسم عظامه، كما زملاؤه الذين حاولوا جاهدين كتابة الاناشيد الوطنية. وسبب ذلك شتاء حلّ على سوريا مبكراً، مع فقدانها لمادة المازوت.
ومشكلة اطفال المدارس لا تنسينا اطفال ما قبل المدرسة، الذين تخلوا عن العابهم وشقاوتهم ليتسمروا تحت الاغطية الصوفية، كون البيوت لم تنعم بالدفء بعد، ربما لأن بعض أربابها لم يدفعوا الرشوة لمراكز توزيع المازوت كما دفع الاخرون، او لم تسمح ميزانية الاسرة بشراء لتر المازوت بقيمة 25 ل. س، علما ان تسعيرة الدولة هي 15 ل. س للتر.
ورغم تشديد وزير النفط، سفيان العلاو، على التزام تأمين حاجات المشتقات النفطية كاملة إلى المواطنين، وتأكيده على أن المازوت مؤمن وليس هناك فقدان للمادة، إلا أن ما نشاهده يومياً من وقوف المواطنين في طوابير أمام الكازيات للحصول على ما يقيهم برد الشتاء، يثبت لنا عدم صحة قوله، خصوصاً ما حدث في محافظة الرقة التي لم تستثنَ من الازمة، وتحصل على امتيازات خاصة، كونها تعيش حالة تأييد للرئيس للأسد. بل راحت المشاجرات تعم محطات الوقود إلى حد اطلاق النار بين المتشاجرين.
ويضيف علاو: “ما يخيفنا هو زيادة انخفاض عائدات سوريا من بيع النفط، اذ انخفض التصدير من 380 ألف برميل يومياً إلى 250 ألف برميل، أي بنسبة تتراوح ما بين 20 و25 %، بسبب العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على صادرات النفط وعلى الاستثمار في القطاع. مما يؤثر على قدرة الحكومة في توفير القطع الاجنبي لشراء مادة المازوت من السوق العالمية».
وفي رأي مخالف حول اثر العقوبات الاوروبية على سوريا، يقول معاون وزير النفط، حسن زينب، إن “العقوبات الاقتصادية لم ولن تؤثر في هذا القطاع”. ويطمئن المواطنين الى عدم وجود أي مشاكل في استيراد أو تصدير البترول ومشتقاته من سوريا وإليها. ويستمر زينب في مخالفته لرأي وزيره حول أزمة المازوت في البلاد، مصرحاً أن هناك “نقصاً في المادة”، ويُرجع ذلك إلى “تهريبه للدول المجاورة، ما يثير التساؤل عن السبب في انفلات الحدود، وعجز المراقبين على الحد من التهريب. في وقت تسعى الحكومة لضبط الجانب الامني من الحدود الى حده الأقصى”.
وبعيداً عن تفاؤل المسؤولين، هناك من تحدث عن العقوبات الاوروبية بقلق أكثر، إذ أعرب خبراء بالشؤون النفطية عن “مخاوفهم إزاء العقوبات”، وأن مخاطرها ستجلب المصائب في حال عدم إيجاد بدائل. فصادرات النفط تغطي نحو 20 % من قيمة الصادرات السورية بالقطع الأجنبي، وبالتالي، تطبيق حظر تصدير النفط السوري يعني خسارة هذه المبالغ. وتوقع الخبراء توقف الإنتاج في حال توقف تصدير الخام أو جزء منها، إذ لا يوجد في سوريا طاقة تخزينية للنفط الخام المنتج لفترة طويلة.

وهناك ما هو أخطر من ذلك، فسوريا عاجزة عن توفير احتياجاتها من المشتقات بطاقات التكرير الموجودة حالياً. فهناك تقصير سابق في بناء مصافي للتكرير. وإذا “امتنعت الدول عن تصدير المشتقات إلى سوري فستتصاعد المخاطر”.
يبقى رئيس الوزراء السوري، عادل سفر، في طور اصدار توجيهاته الى كل من وزارات النفط والنقل والصناعة والتجارة، لوضع تصوراتها لأشكال واساليب الدعم الجديدة التي سيتم تقديمها للمواطن فيما يخص المحروقات وتحديداً مادة المازوت، خصوصاً بعد فشله في سياسة التقشف التي اتبعها بخصوص الغاء تخصيص السيارات الحكومية للموظفين، حيث يبلغ استهلاك السيارات الحكومية ما يقارب 50% من المازوت المستهلك. واصدر سفر قراراً بتشكيل لجنة بهدف تلبية الاحتياجات والحد من التهريب، وإغلاق جميع أماكن توزيع الوقود غير الرسمية، ومصادرة معداتها وآلياتها والصهاريج التي تُضبط وهي تقوم بعملية تزويد الوقود.
لكن إلى تاريخه، تبقى القرارات سجينة صفحاتها البيضاء. ويبقى شادي وزملاؤه يرتجفون بردا عاجزين عن ملء صفحات دفاترهم المدرسية بالأناشيد. في الوقت الذي تستولي الدبابات والاليات العسكرية على القسم الاكبر من المازوت، لتقصف منازلهم، ومنها تنطلق طلقات قد يكون شادي بين ضحاياها وهو يردد قصائد بينها مقطع من نشيد مقرر في منهاجه:
افتح يا وطني الاخضر قلبك للأطفال           يا بلدي يا بلد الرحمة ادفق بالخيرات