- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

ربيع تركي؟

Bassam 2نقطة على السطر
بسّام الطيارة
يقول مثل فرنسي «إن ظهر سنونو واحد لا يعني حلول الربيع»، وفي تركيا مظاهرة واحدة لا تعني أن ربيعاً تركيا قد انطلق. ولكن وصول السنونو يعلن أن الربيع قادم ولو بعد حين، وإن كان لا يحاكي ما يسمى بالربيع العربي.
بدا مع الأيام أن  الاحتجاجات التي اندلعت في إسطنبول، وامتدت إلى العاصمة أنقرة ومدن تركية أخرى، ليست قضية «اقتلاع اشجار» بل تنم عن ضيق يعتري المجتمع التركي من «الحكم الإسلامي المتنور» كما يصف الغرب حكم حزب «العدالة والتنمية». وما أن دخل المعارضون العلمانيون على الخط حتى بدت الصورة السياسية للاحتجاجات أوضح بكثير، إذ أن المعارضة تعرف أنها عاجزة عن إسقاط رجب طيب أوردوغان  في صناديق الانتخابات، ولكنها تلتقط نبض الشارع «الحضري» أي سكان المدن الكبرى الذين يعيشون منذ ١٩٩٢ تحت وطأة أسلمة بطيئة للمجتمع التركي.
لذا رأينا الشبان في مقدمة الجموع يحملون أكواب الجعة في تحد تام للقانون الذي صدر الأسبوع الماضي بمنع بيع الكحول بعد العاشرة مساء. وعاد التنديد «الكمالي» نسبة لكمال أتاتورك، بـ«النظام العثماني» ليس فقط في القوانين التي تمس المجتمع بل في مظاهر الدولة العامة مثل بناء حسر على مضيق البوسفور وإعطاءه اسم «السلطان ياوز سليم» أحد أكثر السلاطين دموية. ولربما يريد أهل اسطنبول المحافظة على شكل «ساحة تقسيم» العريقة وأشجارها، أما أن تأتي حكومة تتهمها المعارضة يومياً بأنها تسعى لأسلمة الدولة و«عثمنتها»، وبعد اسبوع من إقرار قانون منع الكحول، لتعلن إعادة بناء ثكنة عثمانية قديمة وبناء مسجد كبير في وسط الساحة، فهو تصرف إن دل على شيء يدل إما على نقص في الحس السياسي أو عن «عربدة» استناداً إلى أن كافة استفتاءات الرأي تشير إلى أن الحزب الحاكم سيفوز بما يزيد عن ٥٣ في المئة من  الأصوات في أي انتخابات تجري.
هذا الرقم هو مؤشر الخطر في تركيا فهو يدل على الشرخ الواقع بين سكان المدن وبين سكان الريف التركي.
سكان المدن ينظرون نحو أوروبا ونحو الحداثة بينما يسعد سكان الريف بالتحولات التي يفرضها الحزب الحاكم على المجتمع التركي الذي يعيش وفرة لا تصل خيراتها إلى «الداخل» إلى تلك الشرائح التي تشكل الداعم الرئيسي لحزب رجب طيب أوردوغان.
نزل إلى الشارع كل خصوم حزب العدالة والتنمية من  حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي إلى حزب العمال اليساري، ولكن أيضاً شوهد بين المحتجدين أنصار حزب منبر السلام والديمقراطية التركي المؤيد للاكراد الذين استغلوا المناسبة لعرض «رقصة كردية» وقد تشابكت أيدي الأتراك والأكراد في ساحة تقسيم بعدما هجرتها قوات الأمن. كافة شرائح «المجتمع الحضري» تشارك في الاحتجاجات حتى الأندية الرياضية «المتنافسة بشراسة»  مثل فناربخشه وبشيكطاش وغلطة سراي كانت تمشي جنباً إلى جنب للاحتجاج على سياسة الحكومة بشكل عام، ومن هنا على الحكومة التركية الانتباه جيداً إلى أن «المرور بالقوة» يمكن أن يقود إلى ردات فعل أكثر عنفاً في الشارع.
يمكننا وضع في خانة المزايدة المضحكة اتهام وزير الإعلام السوري عمران الزعبي لأردوغان، بقيادة بلاده «بأسلوب إرهابي»، لكن لا يخفي أن الاحتجاجات السلمية موجودة بشكل يومي بسبب مخاوف من أن تؤدي سياسة الحكومة إلى أن انغماس تركيا في الصراع مع جارتها سوريا. الخوف الكبير هو أن يسعى أوردوغان إلى «الهروب إلى الأمام» بتعجيل الحل العسكري في سوريا وفتح جبهة حرب خارجية لتأجيج الحس الوطني الشوفيني لدى مواطنيه.  يزيد من هذا الخوف اختيار اسم «السلطان ياوز سليم» للجسر الذي يحتج أهل اسطنبول على بناءه فهذا السلطان تلطخت يداه بدماء عشرات الآلاف من العلويين في الأناضول.
الربيع التركي بنظر الأتراك هو عودة تركيا إلى مسارها «التنموي العلماني» السابق الذي كاد أن يفتح لها أبواب أوروبا قبل أن يصل حزب أوردوغان ويعتقد بإمكانية فتح أبواب أوروبا بالقوة كما فعل سلاطين بني عثمان في القرون الماضية.