- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

شيزوفرينيا شعبية سياسية

Najat2013نجاة شرف الدين

بعد أشهر من المناورات النيابية من أجل إقرار قانون إنتخابي ليتم على أساسه إجراء الإنتخابات النيابية في مجلس النواب اللبناني ، وبعد جدل سياسي وإقتراحات متعددة من القانون الأرثوذكسي الى المختلط وصولا الى الستين ، وبعد مرور أربع سنوات على الوعد الذي قطع مباشرة بعد الإنتخابات الأخيرة في العام 2009 بأن يتم البحث في قانون جديد وأن يكون من أولويات الحكومة والمجلس ، عقد مجلس النواب جلسة  لم تتجاوز مدتها العشر دقائق وببند وحيد على جدول الأعمال تم  التمديد للمجلس النيابي لمدة سبعة عشر شهرا تنتهي في تشرين الثاني من العام 2014 .
هذا المشهد السوريالي الى حد ما ، والذي ترافق خارج المجلس بإعتراض مدني لم يتجاوز المشاركون به العشرات ، يرشقون سيارات النواب بالبندورة والبيض ويوجهون الشتائم والإهانات لهم على قبولهم بهذا التمديد ، مر بمقاطعة من نواب التيار الوطني الحر الذين ألحقوها بطعن الى المجلس الدستوري  وبطعن من رئيس الجمهورية ميشال سليمان في دستورية التمديد وباعتراض شعبي بحسب دراسة أجراها مركز آراء أكدت رفض 60 في المئة من اللبنانيين للتمديد وقبول 20 بالمئة ، ورغم ذلك إتخذ القرار بأكثرية 97 صوتا من أصل 128 تحت عنوان الأسباب الموجبة المتمثلة  بالأوضاع  الأمنية غير المستقرة والخوف من الفراغ.
الإعتراض على التمديد شعبيا لم يترجم على الأرض من خلال تظاهرات أو حتى إعتصامات وإقتصر على تحرك هيئات المجتمع المدني بالتزامن مع إنعقاد الجلسة  ، على الرغم من رفضه في إستطلاعات الرأي ، وهو يعكس أيضا الموقف السياسي للكتل النيابية ولمواقف الأحزاب السياسية  التي أعلنت قبل التصويت بمعظمها عدم القبول بالتمديد ودعوتها الى المحافظة على عمل المؤسسات لا بل ذهبت الى التشديد على تداول السلطة والسهر على حرية التعبير وضمان إجراء الإنتخابات وهو حق من حقوق أي مواطن في دولة تدعي تطبيق النظام الديمقراطي .هذا الموقف الداخلي الرافض إلتقى أيضا مع رغبة دولية بإجراء الإنتخابات وهو ما عبر عنه عدد من الدبلوماسيين بضرورة الحفاظ على نموذج النظام الديمقراطي وكان لافتا الموقف الإميركي حيث أعربت واشنطن عن خيبة أملها من قرار التمديد ودعت الى الإسراع بإتمام هذه العملية.
في تقرير صدر مؤخراً عن الإنفجارات في العراق قالت الأمم المتحدة إن أكثر من ألف شخص قتلوا في هجمات بالعراق خلال شهر مايو/آيار، وقتل نحو ألفي شخص منذ تصاعد الهجمات في أبريل/نيسان الماضي أي أثناء إنتخابات مجالس المحافظات ، ولم تتخذ مبررا للتمديد ، كما ان الأحداث في سوريا تنعكس بالضرورة على المشهد العراقي بسبب الحدود والعلاقات والتعقيدات الداخلية التي تشكل إمتدادا للحرب الأميركية في العام 2003 وتداعياتها.
الشعب اللبناني يرفض التمديد لكنه لا يتحرك في الشارع إعتراضا لأسباب عدة منها الإحباط والشعور بعدم جدوى تحركه لإحداث تغيير ، أو بسبب إنقساماته السياسية والطائفية وتسليم أمره لزعماءه السياسيين والطائفيين في إستقالة من دوره في الحساب ، وفي المقابل السياسيون يدعون الحرص على عمل المؤسسات الديمقراطية وعلى صحة التمثيل السياسي ويمارسون في التصويت ما يدعون أنه عكس قناعاتهم تحت حجج أقل ما يقال فيها أنها غير مقنعة ، هي شيزوفرينيا سياسية وشعبية بامتياز لا يمكن التكهن بنتائجها على المستوى الوطني والسياسي وبالطبع على مستوى بناء الدولة …