- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

سعادة مُفرطة

Hamadزينة حمد*

حين يتقافز سِنْجاب على رأس إبهامي …أُصاب بفرطِ السعادة !

تتبادل نملات أدوراهَنَّ في حمل شعرةٍ سقطت من رأسي …أُراقبهُنّ عن كَثَب …وأَعجَبُ من تماهيهِنَّ في العمل ..فأُصاب بفرط السعادة !

طفلُ قطّتِنا الأشْعَث- والذي عجزنا حتى الآن عن تحديد هوية أَبيه المارِد المارِق – يتوارى بين أغصان شجرة الأسكدنيا كلّما خَرَجْتُ لأنْفُضَ السجادة ممّا علِقَ بها من حوارات هزلية جَرَتْ في اليوم السابق..

وفي هذا التواري الحَيْوانيّ مدعياً الخوفَ منّي ….يُصيبني أيضاً فرطٌ من السعادة!

جارةٌ لم أرَ وجهَها قَطّ …إلا حين تصاعد هديرُ طائرة في تدريبات عسكرية مُزيّفة فطَلّتْ من شرفتها..

امْتعضَتْ هي من الصوت وشَتَمَتْ…وامْتعضْتُ أنا مثلها من خيانات أصحاب الفخامات و لَعَنْتْ !

وظنّاً منهم بأنّهُ “الانتقام” , قصفَتْنا تلك الطائرات بشلال هستيريّ من الضحك في حركات بَهْلوانية هوائيّة…فكاد أن يُغشَى علينا _ أنا والجارة _ من فرط السعادة !

أكاد أنْ أُنادي أخي ليُشاركني مُوَائي مواساةً لقطةٍ في مَخَاضها تحت خزّان المياه …فأتذكر أنه هجرنا قبل بضع سنوات ولم يعُدْ..

حينها وحينها فقط، يتفسّخ لحم النصف الأيمن من وجهي فأعود أدراجي بنصف وجهٍ من عَظْمْ.

وإنْ كان …ولكن هناك دائماً أسباب سعادة قد تَطْغى على كلّ ذلك!

مَنْ يَزْعُم أنّ الإنسانَ العربي في بلادنا صالحٌ لِأَنْ يكونَ أيَّ شيءٍ إلاّ كإنسان؟!

بل هو الإنسان.. ولكن بفارق بسيط قد لا يُذْكَر

فجبهته مدفونة في رمال صحراءِ الجنوب

وساقه اليمنى مُثبَّتة في سياجٍ على الحدود الشرقية واليسرى مُكبَّلة بمَرْساةِ باخرةٍ مثقوبة في بحر يجثو ميتاً على الحدود الغربية

نعم إنسان …وبذلك الفارق الوحيد البسيط …يبقى إنسان

أليْس ذلك مدعاةً لأشوال سعادةٍ…بأختام ذهبية رسمية ؟!!!

بلى… هو كذلك

كَهْلٌ يُحادِث رَبَّ عمله هاتفياً ويَضربُ الأرضَ بأقدامه… وارتطامُ دمعتِه بحذائهِ المُتهالِكْ يَعيثُ في جنّات الرَّبّ الموعودة ..ثَوْرة !

_ أرجوك..ابنتي تحتضر ولا أمْلك أجرةَ الباص لِأَصِلَها و أنتَ تُطالبُني أنْ أعود لأستكملَ ساعات دوامي لهذا اليوم ؟!

ومع ذلك …سعادةٌ أبديّة تَلْتبِسُ هذا الكَهْل …كهذا وسائل الإعلام الرسمية تقولْ!

ثلْثُ رغيفٍ ونصفُ سيجارةٍ من النوع الرّخيص..

وكَعْبٌ مَكْسور – هبوط اضطراريّ خطوة وقفزة كُونْغَريّة في الخطوة التي تليها وهكذا دواليك..

كلُّهُ كفيلٌ بأنْ يُطيلَ البَالْ بدلاً من أنْ يُطيلَ اللّسان .. لا انبطاحاً..ولكن خشيةً من فَرَارِِ فتاتٍ قد يكون للمُعْدَم أحياناً أفضل من رفع شعارٍ رماديٌّ بَرِيقُه!

فيَغْدو احتجاجه على نفسِهِ ولَوْمِهِ لها همساً سابِقاً لأيِّ همزٍ تَهكُّميٍّ على ظُلّامِهِ أو لَمْزْ !

ولهذا يبتلعُ حُبوبَ السعادة ولكن- من سوءِ حظّهِ – تَنْزلقُ في مجرى التّنفس ويموت اختناقاً

كان فعلاً سعيد ولكن.

يا لهُ من مسكين !! مات من انزلاقها …اختناقاً !

*كاتبة وناشطة اردنية