- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

قيامة القيصر وسقوط السلطان

Najat 2013_2نجاة شرف الدين

عندما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يظهر وهو يغطس ويعثر على بعض الآثار البحرية ، أو يصارع أحد الحيوانات المفترسة، و آخر المشاهد التلفزيونية اظهرت الرئيس الروسي والبالغ من العمر واحد وستون عاما ، محلّقًا في سماء سيبيريا لتدريب طيور الكُركي على الهجرة جنوبًا، أو حتى أثناء ممارسته أنواع من الرياضة التي تحتاج الى قوام شاب مثل الملاكمة وسباحة الفراشة في المياه الجليدية وهو قام بنفسه بالتدريب على الرياضة القتالية وهو الحائز على الحزام الأسود بالجيدو ، أو أيضا عندما ظهرت شائعات تتحدث عن عن عشيقته بطلة الجمباز وحاملة الميدالية الذهبية ” ألينا كبيبا ” والتي دخلت البرلمان الروسي ، وهي تصغره بثلاثين عاما، كل ذلك كان يؤشر الى شخصية بوتين المحبة للظهور ولكن بصورة بطل روسيا القوي الذي يبحث عن إستعادة مجد لروسيا السوفياتية ولزعيم قيصري الهوى والهوية .

وعلى الرغم من ان أحدا لم يتوقع بقاء بوتين مع زوجته ليودميلا نتيجة التكهنات في الإعلام وعدم ظهورهما سويا مؤخراً  ، إلا أن أحدا أيضا لم يتوقع هذه النهاية الحضارية في الإعلان عن طلاقهما ، وقالت ليودميلا  التي لا تحب الإعلام لمراسل التلفزيون الروسي ” إن الإستمرار صعب بالنسبة لها” . طلاق الرئيس الروسي شكل سببا إضافيا للقول،  إن إنشغالاته وإهتمامه بأمور الدولة تمنعه من التفكير بالزواج مجددا ، وهو  أضاف الى صورته بعدا حضاريا .
وفي السياسة ، يتابع بوتين مساره القيصري في موقفه الثابت والمتشدد في الملف السوري  عبر رفضه التنازل في مجلس الأمن بوضع الفيتو لثلاث مرات ، ورفضه لكل ما عرض باستثناء مؤتمر جنيف الأول وإنتظار الثاني بشروطه  ، وحتى إستعداده لينتشر على حدود الجولان ضمن قوات الإندوف ، بعد أن أبدت النمسا نيتها بترك جنودها هناك ، وهو ما رفضته الأمم المتحدة ، إلا أنه يدل على مدى تمسكه بموقعه في المنطقة وحرصه على توسيع حضوره وإبعاد الإسلاميين من الوصول الى حدوده.

وفي المقلب الآخر وليس بعيدا عن سوريا ، وقريبا من روسيا ، يقف السلطان رجب طيب أردوغان كما صورته مجلة ” إيكونمست ” والعنوان ” هل هو ديمقراطي أو سلطان ” ،  في صورة تعكس مدى تسلط رئيس الوزراء التركي وطريقة تعاطيه مع المتظاهرين في ساحة تقسيم ، ليتلقى الضربات التي أتته من الغاضبين من سياسته الذين وصفوه  بالديكتاتوري  وحتى ذهبوا ليصوروه على شاكلة هتلر . فكيف إنقلبت الصورة من أهم زعيم منذ  أتاتورك وزعيم العالم العربي نتيجة مواقفه السابقة بوجه إسرائيل من غزة ، وصولا الى  هتلر والديكتاتور؟
إنقسم الإعلام العربي والغربي في توصيف ما يحصل في تركيا من إحتجاجات على سياسة أردوغان ، فمنهم من إعتبر ان ذلك يأتي في سياق ما يحصل من تغيير في العالم العربي ، ومنهم من ذهب أبعد الى إعتبار أن الأسلام والديمقراطية من الصعب تعايشهما خاصة في ظل شخصية مثل أردوغان تريد أن تفرض رأيها على الجميع معتمدة على نتيجة الإنتخابات ، والتي تعاطى معها كأنها تكليف من دون محاسبة لما يريد ان يفعله وكأنه الحاكم المطلق ليصل الى حدود تغيير الدستور ليكون رئيساً في المستقبل وهو يحتفظ بزعامته لحزب العدالة والتنمية ويريد ان يدير السلطة أيضا من القصر الرئاسي . كما إعتبر آخرون ان سياسة أردوغان الخارجية ولا سيما الموقف من سوريا أوجدت إنقساما داخليا ساهم في إشعال هذه الشرارة .
يبدو أن السقوط الأول لأردوغان كان في رد فعله على التظاهرات الإحتجاجية ، والتي إتهمها بأنها مدبرة وبأيدي خارجية ووصفهم ب ” الرعاع واللصوص ” وأطلق توصيفات المخربين والإرهابيين مما جعله في موقع مشابه لمن وصفهم سابقا بالديكتاتوريين مثل الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس المصري السابق حسني مبارك ، كما أن سقوط قتلى وجرحى في التظاهرات أثناء محاولة تفريقهم زاد من الأزمة ، على الرغم من تراجع رئيس البلدية عن مشروع إزالة حديقة غيزي قرب ساحة تقسيم ، وهو السبب الأساس لقيام التظاهرات .
صحيح ان نوستالجيا السلطان تداعب أحلام أردوغان ، إلا أن التوقيت يأتي خاطئا في هذا الزمن من التغيير ، كما التوقيت الروسي بالنسبة لنوستالجيا بوتين القيصرية ، فصورة البطل وحدها لن تعيد قيامة القيصر في الكرملين كما لن تعيد الصورة السلطوية  السلطان الى قصره في إسطنبول ….