- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

مصر : التمرد مشروع

جمانة فرحات
“ / الله أكبر .. الله أكبر … الله اكبر فوق كيد المعتدي /خانوا الدماء وثورةً صنعَ يدي/ سرقوني أمسُ ولن أفرطَ في غدي قوموا معي .. قولوا معي/  أنا أنا سأتمرد بالذل لاااا … لن أرتضي”…
بهذه العبارات وعلى ألحان نشيد “الله أكبر” أطلقت حملة تمرد نشيداً يدعو لتحفيز المصريين على الخروج إلى الشارع بكثافة يوم ٣٠ حزيران /يونيو، الذي يصادف ذكرى مرور عام على تولي الرئيس محمد مرسي الحكم، في تتويج لنشاطها الهادف  لنزع  الشعبية عن مرسي تمهيداً لاسقاطه. هدف يبدو  أن الحركة حققت في طريقها إليه نجاحاً باهراً بعدما نجحت في جمع ما يقارب ١٥ مليون توقيعاً. وفيما يبقى الترقب سيد الموقف لمعرفة المآلات التي ستذهب إليها مصر يوم ٣٠ يونيو / جزيران وما ذا كان هذا التاريخ سيؤرخ لانتفاضة شعبية جديدة عارمة في وجه الرئيس وجماعته أم تنقضي الاحتجاجات بمرور اليوم، فإن هذا الوضع لم يمكن بامكان الحملة الوصول إليه لولا تضافر ما يكفي من الأخطاء التي ارتبكها مرسي بصفته رئيساً للجمهورية ومن خلفه كل من الحكومة وجماعة الاخوان المسلمين وبشكل خاص مكتب الارشاد الذي يرى فيه العديد من المصريين أنه الحاكم الفعلي فيما الرئيس والحكومة مجموعة من المنفذين.  أخطاء كان من نتيجتها أنها حولت مرسي من أول رئيس مدني منتخب شرعياً كان بامكانه تحقيق الالتفاف حوله بعدما وصل إلى منصبه بدعم واسع من تيارات الثورة إلى رئيس غير شرعي في نظر ١٥ مليون مواطن على الأقل..
نزع الشرعية الشعبية عن مرسي لها ما يبررها من وجهة نظر الموقعين على تمرد. هؤلاء لا يتوانون عن اجراء كشف حساب للرئيس وتعهداته التي اطلقها إن خلال حملته الرئاسية او بعد توليه منصبه قبل أن ينكث بها جميعها. على الصعيد السياسي، كان  استكمال اهداف الثورة، واسترداد حقوق الشهداء واجراء محاكمات عادلة من أبرز مطالب المحتجين. لكن أي من هذه الملفات لم ينجح  مرسي في تحقيقها بل إن سياساته أدت إلى اجهاض ما حققته الثورة من مكتسبات. حقوق الشهداء تبخرت أما محاكمات رموز النظام فتحولت إلى مسلسل ممل ومكرر تنتهي كل حلقة منه بخروج أحد رموز نظام حسني مبارك من السجن سواء ممن تورطوا في قتل المحتجين او تلوثت أيديهم بالفساد فيما بات المصريون يترقبون اللحظة التي سيخرج فيها مبارك من السجن رافعين علامات النصر.
وفي السياسة أيضاً، كانت أخطاء الاعلانات الدستورية التي حاول من خلالها مرسي أن ينصب نفسه ديكتاتوراً جديداً بصلاحيات تفوق تلك التي نالها المخلوع مبارك، وأضيف إليها الجمعية التأسيسية التي مضى فيها مرسي ضارباً بعرض الحائط كل الشوائب التي اعترتها. وهو ما نتج عنها دستور مبتور ومليء بالأخطاء والهفوات لتتوج هذه الخطايا بمجلس النواب الباطل الذي جرى حله وأخيراً اعلان المحكمة الدستورية أن مجلس الشورى بدوره غير دستوري دون ان تفتي بحله لمعرفتها ان البلاد ستصبح بلا مؤسسات دستورية.
على الصعيد الاقتصادي لم يكن الحال أفضل. وفي ظل اكتفاء مرسي ومن خلفه جماعته بالحديث عن مشروع “النهضة” وعدم حملهم أي رؤية حقيقية لكيفية ادارة البلاد، واجهت مصر خلال عام حكم مرسي واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية في ظل انهيار في قيمة الجنيه المصري وخسائر غير مسبوقة في البورصة. وهو الوضع الذي لم تجد الحكومة من حل له سوى التفاوض مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة ٤.٨ مليار دولار بالتزامن مع دفع جماعة الإخوان بالعديد من المحسوبين عليها وعلى الحكومة للدفاع عن القرض بعدما كان نوابها ابان عهد مبارك يعارضون اي قرض من الصندوق بحجة الربى التي تحولت في عهد الإخوان إلى “مصاريف”. لكن الأسوأ ليس في اظهار الإخوان قدرة فائقة على ايجاد المبررات للتحولات التي طرأت على الكثير من مواقفهم بعد الثورة وتسلمهم الحكم، بل في تحويل مصر، أم الدنيا، إلى ما يشبه المتسولة على أبواب الخليج وبعض الدول العربية والاقليمية، وهو ما ترجم بسلسلة الودائع القطرية والتركية والسعودية وحتى الليبية والعراقية. رغم كل ذلك، شهد المصريون تردياً دراماتكياً في تقديم الخدمات بدءاً بأزمة السولار التي باتت تجبر المصريين على الوقوف بالساعات في طوابير للتزود بالوقود مروراً بأزمة الغاز المنزل وصولاً إلى الانقطاع المطرد في ساعات التغذية الكهربائية محولة حياة المصريين إلى الجحيم. وتوج كل ذلك بانفلات أمني و استمرار أعمال البطجة في الشوارع فيما عادت الأنباء عن عودة رجال الأمن الفاسدين إلى ممارسة هوايتهم المفضلة عبر فرض الاتاوات في بعض المناطق والتعسف في استخدام سلطاتهم في وجه المواطنين. ولم ينقص كل ذلك، سوى التخبط المخيف في السياسية الخارجية لمصر، وانعكاس ذلك على مصالحها وأمنها القومي وهو ما تجلى مؤخراً في أزمة سد النهضة في أثيوبيا والتوقيع  على اتفاقية عنتبي لاعادة توزيع حصص مياه النيل. وقد سبق كل ذلكسلسلة من المواقف أظهرت مدى استخفاف الدول الأخرى بمرسي في زياراته وخروج صغار موظفي الدولة لاستقباله، ليصبح التمرد ليس مجرد حق بل أولوية رئيسية للقوى المعارضة..