- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

شغف الأميركيين بباريس في مرآة … معرض فنّي

Spencerأوراس زيباوي (خاص)
عشقُ الأميركيين لفرنسا ولعاصمتها باريس ليس حديثاً ولا مسألة عرضية‫. ‬منذ القرن التاسع عشر حين كان النحات الفرنسي الشهير رودان يحضر افتتاح ‫”‬معرض الخريف‫”‬ برفقة بورجوازيات أميركيات جئن خصيصاً لرؤيته وهنّ يعتمرن قبّعات بيضاء كبيرة، إلى القرن الحادي والعشرين مع فيلم وودي ألن ‫”‬باريس منتصف الليل‫”‬، يطالعنا شغف الأميركيين بباريس‫. ‬هذا الشغف الذي تحوّل مع مرور السنوات إلى موضوع تتمحور حوله المعارض واللقاءات والشهادات. Affiche
في العام الماضي أقيم في بلدية باريس معرض  بعنوان “باريس كما تراها هوليوود” وكشف كيف أنّ أكثر مدينة غير أميركية يحبها الأميركيون هي باريس، وهي أيضاً أكثر مدينة غير أميركية حاضرة في نتاج هوليوود منذ بداية صناعة السينما في بلاد العم سام‫.‬ واليوم يقام في ‫”‬متحف أورسي‫”‬ معرض بعنوان “ولَه فرنسي: مجموعة مارلين وسبينسير هايز” ويضمّ مجموعة مدهشة من اللوحات الفرنسية التي ترجع الى القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين والتي يملكها كل من الزوجين الأميركيين مارلين وسبينسر هايز. عاش هذان الزوجان علاقة حب بدأت في عمر المراهقة وتزوجا يوم كانا لا يزالان في التاسعة عشرة  من العمر‫.‬ ولقد احتفلا هذا العام بمرور سبعة وخمسين عاماً على زواجهما. انطلقا معاً من الصفر وعملا في صناعة النسيج والأزياء، أي أنهما حلما ذلك الحلم الأميركي وحققا  الثروة المالية المنشودة‫.‬ وحتى تكتمل الصورة، كان لا بد من اقتران المال بالفنون وجمع التحف وتحقيق مجموعة تليق بمجموعات المتاحف.
Tapisserie 1848_2وبالفعل، منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي باشرا بتكوين مجموعتهما الخاصة من الفن الفرنسي، وبالتحديد الأعمال التي ترجع إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر. هذا الولع بالفن الفرنسي بدأ بالتحديد عام 1971 عندما زارا فرنسا للمرة الأولى. وبما أنّ سعر الأعمال الفرنسية للفنانين المعروفين في القرن التاسع عشر مرتفع جداً قررا بيع لوحاتهما الأميركية والبدء بتكوين مجموعتهما الخاصة من أعمال المعلمين الفرنسيين الكبار. ومن هذه الأعمال يتألف المعرض الذي يقام اليوم، ولأول مرة، في متحف “أورسي”.
سبعون عملاً فنياً تشتمل على لوحات ورسوم ومنحوتات لفنانين طبعوا مسيرة الفن الفرنسي ومنهم بيار بونار ودوغا وموريس دوني… أعمال أسست لجمالية جديدة أدت إلى ولادة تيارات الحداثة التشكيلية وكرست باريس بصفتها عاصمة رائدة في تلك المرحلة.
تعكس المجموعة أيضاً الذائقة الخاصة لصاحبيها، فهما يحبان باريس، وبالتحديد باريس القرن التاسع عشر. ونتعرف في مجموعتهما على لوحات تروي فصولاً من حياة العاصمة الفرنسية خلال هذه المرحلة. فالزوجان مارلين وسبنسير هايز يحبان التسكع في شوارع باريس Paraventوحدائقها ومنها حديقة “التويلري”. من هنا كانت رغبتهما في اقتناء الأعمال التي تختصر أجواء المدينة بأحيائها التاريخية. وهكذا فإنّ اختيار متحف “أورسي” لعرض مجموعتهما الخاصة لم يأت من قبل الصدفة. فهذا المتحف المطل على نهر “السين”، وكما هو معروف، كان محطة قطار تحولت إلى متحف يضم فقط الأعمال التي ترجع الى النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وقد زاره العام الماضي أكثر من مليوني ونصف مليون زائر.
وبعيداً عن القيمة الفنية لهذه المجموعة فهي تبيّن مرة أخرى أنّ الفن هو أيضاً  قيمة استثمارية للأثرياء. ويطرح البعض السؤال حول مصير هذه المجموعة وهل سيرثها أفراد العائلة أم تعرض للبيع، أم يهبها أصحابها ل “متحف أورسي” نفسه، فيعود الفنانون الفرنسيون بذلك الى وطنهم الأصلي؟
هنا لا بد من التذكير بأنّ كبار الأثرياء الأميركيين لعبوا دوراً أساسياً في تشكيل المجموعات الفنية وتأسيس كبريات المتاحف الأميركية. وفي هذا السياق، يظهر التباين الجوهري بين الولايات المتحدة وفرنسا، ففي الأولى يبرز دور المبادرة الفردية في تأسيس المتاحف، بل وفي الحياة الثقافة ككلّ، آما في فرنسا فإنّ الدولة هي التي تبسط سلطتها الكاملة على المتاحف، وتعدّ مبادرة “متحف أورسي” اليوم خطوة فريدة من نوعها إذ أنها المرة الأولى يقيم فيها هذا المتحف التابع للدولة معرضاً مخصصاً بأكمله لمجموعة خاصة.