- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

أميركا و”الإشباع النفطي”: لم تعد الحرب بعيدة

باريس ــ بسّام الطيارة
دأبت إيران على التهديد بسد منافذ النفط عبر مضيق هرمز في حال هاجمها الغرب أو اعتدت عليها إسرائيل. ودأب أمراء الخليج على الضحك في سرهم من هذا الحديث على اعتبار أن أميركا لن تسمح بمنع وصول الطاقة إلى أسواق العالم، وخصوصاً أسواقها، وأنها سوف تضرب إيران قبل أن تتحرك هذه الأخيرة لسد شريان النفط. ودأبت إسرائيل على التلويح بالتحضير لهجوم على إيران بسبب تلكؤ الغرب. ودأب الغرب على الإعلان، بحسم وقوة، رفضه امتلاك إيران القوة النووية، إلى جانب تحذير الدولة العبرية من مغبة مغامرة عسكرية. هذا أيضاً يُضحك طهران التي ترى تضارب أهداف أي مغامرة عسكرية مع مصالح أميركا في تأمين نفط إلي أسواقها.
سبب الضحك المتشارك بين حكام الخليج وحكام إيران هو أولاً وأخيراً أن أميركا مهتمة بالنفط ولن تسمح بالفوضى في تلك المنطقة الحساسة بسببه. إلا أنه يبدو أن خطوط الأولويات الاستراتيجية بدأت تتحرك بشكل معاكس لأسباب الضحك المتبادل بين الأخصام المتشاركين مياه الخليج.

–    الولايات المتحدة سوف تصبح في مطلع العقد المقبل أول منتج للطاقة السائلة

لقد حصل «أخبار بووم» على وثائق سرية ودراسات وضعتها عدة مراكز أبحاث، تشير إلى أن الولايات المتحدة باتت على قاب قوسين من «اكتفاء ذاتي في مجال الطاقة»، يعطي سياستها في الشرق الأوسط وفي أرجاء عدة من العالم استقلالية لم تعرفها سابقاً من جهة، وتحضر لاستيعاب ديونها المتراكمة بشكل جنوني بغياب فاتورة النفط. وقد كشفت صحيفة الـ”فايننشال تايم”، قبل أيام، عن بعض أوجه هذه التقارير، وبالطبع من دون الدخول في التفاصيل التي يمكن أن تزعج حلفاء واشنطن.
أول هذه التقارير يقول إن الولايات المتحدة سوف تصبح في مطلع العقد المقبل أول منتج للطاقة السائلة (نفط وغاز مسال) في العالم، وأن انتاجها سوف يتجاوز انتاج السعودية وروسيا، لتصبح «الرقم ١». الأسباب ليست فقط جيولوجية، وإن هي وجدت، إذ أن الخبراء وجدوا مخزونات جديدة في باطن القارة الأميركية إضافة إلى الاكتشافات الجديدة المتوالية في خليج المكسيك. إلا أن العامل التقني أيضاً يلعب دوراً في زيادة الانتاج الأميركي. ويشدد تقرير وضعته خلية بحث في جامعة أميركية على ضرورة «حصر هذه المعرفة العلمية وحمايتها كعنصر استراتيجي في مسألة الأمن القومي». ومن أبرز خطوات هذا التقدم العلمي وتسهيل الحصول على «النفط المحصور» (tight oil)، الذي كان سجين الصخور وبات بالإمكان سحبه عبر عمليات معقدة جداً تقنياً. ويضاف إلى ذلك «غاز الفحم» (schist gas) الذي باتت تقنية استخراجه المعقدة في متناول بعض الشركات الأميركية.
قاد كل ذلك إلى تراجع كمية النفط المستورد أميركياً من ٦٠ في المئة عام ٢٠٠٥ إلى ٤٧ في المئة في العام الماضي، وسط «تغطية إعلامية» وتجاهل مقصود من قبل المسؤولين عن الطاقة في الولايات المتحدة، بينما وضع «خبراء أوبيك والمحللون النفطيون» هذا التراجع البارز على حساب «الأزمة المالية وتراجع طلب الصناعات للطاقة». تشكل فاتورة النفط المستورد ٤٤ في المئة من عجز ميزان المدفوعات الأميركي. وحسب تقرير آخر وضعه فريق من دبلوماسيين وخبراء نفط، فإن الهدف المنشود هو جعل الاعتماد على الاستيراد تحت سقف ٣ مليون برميل يومياً، بينما هو الآن بحدود الـ١٠ ملايين برميل يومياً. يدرك الجميع بأن «كعب أخيل» القوة العظمى الأميركية هو اعتمادها على النفط، وفي حال تم حصر الناقص بحدود الـ٣ مليون برميل، فإن ذلك يحرر أميركا تحريراً كاملاً، إذ إن «كندا تستطيع سد هذا العجز بسهولة»، وفي حال تطلب الأمر «فإن الحقول المكسيكية في متناول اليد»، كما ورد في نصوص التقرير الذي يرى أن العجز بين الانتاج الأميركي الشمالي (الولايات المتحدة وكندا) واستهلاكه لن يتجاوز النصف مليون برميل، وهو ما يمكن استيعابه «بسهولة بسبب تقدم تقنيات الطاقة المتجددة».

–     أميركا لن تتأثر من إقفال مضيق هرمز وسد منافذ النفط

وإذا وضعنا جانباً الانعكاسات الكبيرة المنتظرة جراء هذه التغيرات في المعطيات في ميزان الاقتصاد العالمي، وتراجع الدين الأميركي وانخفاض حاجته للاستدانة من الأسواق الناشئة، ما قد يجفف إمكانيات الاستثمار المربحة للاقتصاديات الريعية وللفائض النقدي لعدد من الدول.
واكتفينا بالنظر فقط إلى انعكاسات هذا التطور الكبير في استراتيجية «الإشباع النفطي» لاقتصاد الولايات المتحدة وانعكاسها على سياسة واشنطن تجاه الخليج والعرب والشرق الأوسط، لرأينا الكم الهائل من التغيرات التي يمكن أن تحصل والتي لا ينتبه إليها “الضاحكون”.

–    واشنطن قد تتحرر من دعم أنظمة تشجع الإرهاب والسلفية

أولاً، في حال وجود أفق اكتفاء ذاتي في حقل الطاقة لن يؤثر على الولايات المتحدة إقفال مضيق هرمز وسد منافذ النفط، وبالتالي على طهران عدم اللعب بالنار كثيراً والتخويف بغير هذه الفزاعة. وفي حال اعتبرت إيران أن أميركا يمكن أن «تقلق على اقتصاديات حلفائها الغربيين ومنهم أوروبا»، فالحكمة تدعوها إلى قراءة تاريخ العلاقات التجارية بين أميركا وحلفائها بنظارت براغماتية، فتجد أن «خلافات أميركا مع حلفائها في الشأن الاقتصادي عميقة، والتنافس بينهم يقارب مسألة الحياة أو الموت»، وأن بروز أخطار تحدق بـ«قضايا متشاركة» فقط كان يجمعهما على محاربتها ومنها… النفط. كما أن القلق لن يساور واشنطن البتة إذا تأخرت البواخر عن الوصول إلى موانئ الصين أو اليابان، منافسَيها الأساسيين في المحيط الهادى وفي الأسواق العالمية، وخصوصاً أنها لن تعود بحاجة لهذا الدفق المالي لتمويل عجز متراجع عبر بيعهما سندات خزينتها.
كما أن على حكام الخليج العرب عدم النوم على حرير الحماية الأميركية على اعتبار أنها «لن تسمح بإقفال منافذ النفط»، ففي حال غياب الحاجة القصوى للطاقة الخليجية فإن إقفال شريان هذه الطاقة لن يؤثر على أميركا وبالتالي لن تسارع للانغماس بحرب جديدة في المنطقة كرمى لعيون «حلفاء اختفت المصلحة النفطية المشتركة معهم». ويشير أحد التقارير، الذي ينتقد بقوة «الترابط العضوي بين سياسة واشنطن والنفط»، إلى نهاية هذه العلاقة «المزعجة والبعيدة عن قيم أميركا» و«تحرر أميركا من دعم أنظمة تشجع الإرهاب والسلفية».

–    «توجهات» مبطنة من ضرورة تخفيف الربط بين سياسات أميركا ومصلحة إسرائيل

هل تذهب هذه التقارير في اتجاه «مصلحة إسرائيلية»؟ لا يتردد التقرير من التلميح إلى أن «الدعم القوي لإسرائيل بسبب موقعها الجغرافي سوف يتراجع»، فهي لن تعود «حاملة الطائرات المرابطة على يابسة الشرق أوسط» أو الجسر المتقدم لحماية مصالح الغرب. إلا أنه يشدد على أن «حماية إسرائيل تظل هدفاً أدبياً». إلا أن هذا التجميل الكلامي لما لا يمكن أن يطال اسرائيل بسبب التغيير المرتقب لحاجات أميركا من الطاقة، يجب أن لا يخفي ما يحمله من «توجهات» مبطنة من ضرورة تخفيف الربط بين سياسات أميركا ومصلحة إسرائيل «كما تراها اللوبيات المؤيدة لإسرائيل»، وخصوصاً أن عدداً من المواقع «المسيحية المعمدانية» بدأت تتحدث كثيراً عن «السياسة العمياء لواشنطن تجاه الدلال الإسرائيلي». ومن هنا على إسرائيل أن تنظر مرات عدة قبل إطلاق تهديدات بشكل «إمسكوني وإلا…» إذا يمكن لأميركا أن لا تمسكها فتصل إلى نقطة اللاعودة المحظورة.
حملت التقارير عروضاً وطروحات لما يمكن أن يكون مستقبل أميركا في الشرق الأوسط بعد أن تتحرر من «ثقل الطاقة على كاهل سياستها ودبلوماسيتها»، إلا أنها لوحت أيضاً، في بعض مداخلات من واضعيها، بأن «من مصلحة واشنطن تجديد الآلة العسكرية الخليجية» وهي وضعت هذا الطرح ضمن سياق «الانسحاب من شرق عدن» والانكفاء على جزر المحيط الهندي وقواعد في وسط أفريقيا «حيث الصراعات المقبلة». إلا أنها لم تحدد ما إذا كان «الدفع لتجديد الآلة العسكرية» يمكن أن يكون عبر خرابها بحرب جديدة! إذ لا يستبعد بعض الخبراء الأوروبيين أن تكون للتكتلات الصناعية العسكرية مصلحة كبيرة في إطلاق شرارة نزاع جديد في الخليج «يعيد تجديد ستوكات الأسلحة». في السابق كان البعض يرى في أن من أحد العوامل غير المعلنة لتبرير الحرب على إيران أن هذا البلد «قادر على دفع إعادة بناء ما سوف تخربه الحرب» مثل العراق. الآن وقد تغيرت الأولويات الأميركية، فإن أمام المخططين للحروب «عدداً من البلدان التي يمكن أن تثير شهية التكتلات الصناعية».
لم تعد توجد أي موانع لحرب مقبلة في الشرق الأوسط، وخصوصاً أن التبريرات والدوافع، على اختلافها وتضاربها، باتت تناسب جهات عدة متخاصمة أو متعادية، وفي غياب أي مصلحة أميركية لتفادي حريق يصيب شرايين النفط، بات الأمر هو تجنب النوم على حرير تحليلات ناقصة والضحك في السر الآن لأنه يضحك كثيراً من يضحك أخيراً.