- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

مصر في دوامة المجهول

مصرجمانة فرحات

ساعات قليلة تفصل المصريين عن موعد ٣٠ يونيو/ حزيران. توقعات البعض بأن تمضي احتجاجات المطالبين بتنحي الرئيس محمد مرسي بهدوء ذهبت أدراج الرياح. الاشتباكات خلال اليومين الماضيين بين أنصار مرسي ومعارضيه وسقوط قتلى أشبه بـ “بروفا” لا تترك المجال إلا لمشهد أكثر دموية وسط اصرار كل طرف على المواجهة حتى النهاية.

 الرئيس محمد مرسي، الذي فشل طوال الأشهر ١٢ لحكمه في اثبات انه رئيس لجميع المصريين من دون استثناء، زاد الأمور سوءاً في خطابه “التاريخي” يوم الأربعاء الماضي، وكرّس نفسه على انه خصم لجزء من شعبه.

مرسي الذي يشكو من عدم منحه الوقت الكافي لترتيب “بيت النظام”، تجاهل في خطابه العديد من المشاكل الرئيسية التي تواجه مصر وتطرق إلى بعضها الآخر باستخفاف لا يليق برئيس دولة. في المقابل، لم يجد إلا الفلول ليتحدث عنهم محاولاً تصوير معارضيه جميعهم على أنهم من أنصار النظام السابق. لكن مرسي يدرك جيداً أن الجزء الأكبر من المعترضين عليه، لم تتلوث ايديهم يوماً بالتحالف مع نظام حسني مبارك. كما أن من بين المعترضين عليه اليوم من صوتوا له في الانتخابات الرئيسية، لكنهم توصلوا بعد مرور عام إلى نتيجة واحدة مفادها عدم امتلاكه القدرة على ادارة بلدٍ بحجم مصر وتحدياتها فقرروا “التمرد” عليه.

الأسوأ أن مرسي لم يحاول القفز على هذه الحقيقة فقط، بل ذهب في اطار تأكيد تمسكه وجماعته بالحكم إلى تنظيم استعراضات القوة، وهو ما تجلى في “مليونية” أمس في ميدانة رابعة العدوية التي تخللها ارتفاع غير مسبوق في مستوى التحريض والتهديد والوعيد.

هذا التوجه لمرسي وجماعته يقابله على المقلب الآخر معارضة، أقل ما يقال عنها غير متجانسة، لكن يوحدها العداء لمرسي وما يمثله. هذه المعارضة يبدو أنها انهت استعداداتها ليوم الغد. الالاف الذين تقاطروا على ميدان التحرير في القاهرة أمس فضلاً عن خروج تظاهرات في عدد من المحافظات، جعلوا في حكم المؤكد أن المعارضة ستنجح غداً في حشد مئات الآلاف من أنصارها على عكس المليونيات التي كانت تعقدها آخر ثلاثة أشهر والتي كان يقتصر الحضور فيها على أعداد قليلة بعدما تسلل اليأس  إلى نفوس الكثيرين. والفضل هذه المرة لا يعود فقط إلى أخطاء مرسي بل إلى مبادرة “تمرد” التي نجحت في اعادة بث الروح في الشارع وتمكنت من أن تجمع وفقاً لأحدث أرقامها قرابة ٢٢ مليون استمارة تطالب مرسي بالتنحي، مغطية على فشل المعارضة التقليدية ممثلة بجبهة الانقاذ، التي خسرت الكثير من شعبيتها وجمهورها على وقع انكشاف افلاسها السياسي طوال الفترة الماضية. فجبهة الانقاذ، ذات التركيبة غير المتجانسة لضمها قوى ثورية وأخرى لطالما كانت محسومة على النظام، لم  تواكب مطالب الشارع في اي مرحلة إلا كلامياً وعبر تصريحات متضاربة لقادته. وأثبت هؤلاء القادة أكثر من مرة عجزهم عن تقديم مشروع موحد يحسم هوية الجبهة، لا بل إن بعض قادتها تماهي مع السياسة الاقتصادية لمرسي وما المواقف المؤيدة لقرض صندوق النقد الدولي سوى المثال الأبرز.

اذاً، على رغم كل هذه التناقضات بين قوى المعارضة ستتجه الأخيرة إلى ميدان التحرير في القاهرة وإلى باقي الميادين في المحافظات رافعة شعار اسقاط مرسي ورحيله. لكن هل فعلاً سيتحقق رحيل محمد مرسي، هل ستسمح جماعة الاخوان المسلمين بانزالها عن عرش السلطة التي وصلت إليه، والأهم هل أن كل المعارضة مستعدة للمضي قدماً في دعم خيار اسقاط الرئيس.

تساؤلات لا يبدو أنه بمقدور أحد الاجابة عليها قبل الغد وما سيحمله من تطورات، ستكون كفيلة في حسم مواقف غالبية القوى السياسية.  لكن مهما تكن الكيفية التي ستنتهي بها احتجاجات الغد، فإن ما  يجب التوقف عنده طويلاً هو تأثير ما يجري على السلم الأهلي في مصر، بعد تصدع النسيج الاجتماعي والانقسامات غير المسبوقة بين المواطنين على وقع تجييش ديني وفتاوى تكفير يقابلها دعوات الالغاء والاقصاء.

عدم صحة مقولة إن مصر قد دخلت مرحلة الحرب الأهلية البطيئة، لا يجيز التلكؤ في التحذير من مغبة ما يجري والعمل سريعاً على اطلاق مبادرات لتطويق هذا الصدع، حرصاً على الحد منه ومنعاً من انحدار البلاد إلى سيناريو كارثي، وخصوصاً أن الشواهد على تداعيات تفشي هذه الظاهرة وما يستتبعها ليست ببعيدة. يكفي النظر إلى الدول العربية التي تحترق وتدمر على وقع الاقتتال الأهلي بين أبنائها للاتعاظ.