- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

حضور ديني وغياب مدني

Najat 2013_2نجاة شرف الدين

يجمع العديد من المراقبين على إعتبار  ان لبنان عاش عصرا ذهبيا ، كما يقال ، قبيل الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1975 ، إن على مستوى الصراع السياسي أم على المستوى الإقتصادي وتحولت بعدها مقولة أن لبنان سويسرا الشرق لتشكل ثابتة يحلم اللبنانيون بعودتها عند أول محطة إستقرار على المستوى الأمني .
مما لا شك فيه أن الصورة التي عاشها لبنان في هذه المرحلة ، والمختلفة لا بل المتناقضة مع محيطه ، جعلته مقصدا للحالمين بواحة من الديمقراطية والحرية كما لمن أزعجه هذا الحضور التعددي في بحر من الدول الدينية أو شبه الدينية . ومع بداية الحرب الأهلية التي حولت الصراع السياسي الى صراع طائفي ومن ثم الى مذهبي ، بدأ لبنان يفقد بريقه المختلف ويضعف دوره مقصدا للأحلام إن على المستوى السياسي أم على مستوى الحريات المدنية .
أنتجت الحرب الأهلية أحزابا وطوائف ، حاولت إيجاد توافقات تارة تحت شعار الديمقراطية التوافقية وطورا تحت شعار التسويات في الحصص الطائفية ، واستمر الإطار المدني للتوافقات الطائفية مع ظواهر دينية متطرفة ولكن محدودة ، حتى العام 2005 مع إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وإنسحاب الجيش السوري من لبنان ، ليدخل لبنان مجددا في أتون حروب طائفية  ومذهبية متنقلة بين منطقة وأخرى ، وتتزايد مشاهد رجال الدين المتطرفين والداعين  للجهاد لحسابات إقليمية ودولية ، وصولا الى بداية الأحداث في سوريا ليطغى على الساحة المشهد الديني على حساب الإعتدال في مختلف الطوائف ولا سيما الإسلامية منها.
في كل مرة يحاول التيار المدني أو العلماني التحرك للإعتراض على السياسات الطائفية أو للدفاع عن حقوق الإنسان أو للدعوة لإحترام الحقوق المدنية وتطبيق القوانين ، يتم إجهاض هذه التحركات من قبل مختلف الأحزاب والقوى السياسية ولا سيما الطائفية منها ، وتتراجع نتيجة الزحف الطائفي والمذهبي ليشكل إنقساما حادا للمشهد السياسي يهدد بتحويل هذا الموزاييك اللبناني وتعدديته الى مزيد من التعصب الطائفي والديني ، ليصبح شخص مثل الشيخ أحمد الأسير رمزا يتبعه مؤيدون ومنهم مدنيون ، ويذهب البعض الى رفع صوره في كافة المناطق ، وحتى إستبدال صورة الرئيس سعد الحريري رمز الإعتدال السني المدني ، بصورة الأسير ، وهو ما عبر عنه بوضوح كلام النائب وليد جنبلاط الذي أبدى قلقه من هذه الظواهر داعيا الى تحييد الجيش اللبناني .
خطورة هذا المشهد الذي يتكرر في الشمال عبر شخصيات مثل داعي الإسلام الشهال والشيخ سالم الرافعي وصولا الى بيروت في منطقة الطريق الجديدة ودعوات للتحرك من حزب التحرير ، وبروز أعلام القاعدة وجبهة النصرة في ساحات الإعتراض السني  ، يقابلها في المشهد رجال الدين في الطائفة الشيعية وعلى رأسهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ونائبه الشيخ نعيم قاسم وغيره من المشايخ ، وحتى المحاولات التي تجري من أجل البحث عن تيار مدني في الطائفة الشيعية ، يتم محاصرتها عبر شخصيات دينية وكأن رجال الدين أخذوا الحق الحصري للتمثيل السياسي .

أما لدى المسيحيين ، فعلى الرغم من الكلام السياسي الذي يطلقه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلا ان الأحزاب المسيحية لا تزال تحتفظ بشخصيات مدنية في تمثيلها السياسي ، مثل رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب أمين الجميل .
صحيح أن المشهد السياسي يتأثر بالظواهر والتغييرات الجارية في العالم العربي ، وصحيح أن مشهد التطرف الديني لا يشكل دعامة في بنية الكيان اللبناني ، إلا ان الخوف يبقى من أن يكون تزايد الحضور الديني على الساحة اللبنانية على حساب الحضور المدني ، وبالتالي يتحول لبنان تدريجيا من دوره التعددي ومن الرسالة كما قال عنه البابا يوحنا بولس الثاني ، الى ساحة شبيهة بمحيطه يشكل فيها المشهد الديني أفيون للمشهد المدني …