- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

لقاء “الفلسطينَيْن”: مصلحة لا مصالحة

زاوية حادّة

حسام كنفاني
انشغل الفلسطينيون منذ أكثر من اسبوعين بالحديث عن اللقاء المرتقب بين الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، خالد مشعل، في القاهرة، والذي كان من المرتقب أن يكون مدخلاً حقيقياً لتحقيق المصالحة الفلسطينية المتعثرة منذ اتفاق القاهرة الأخير في أيار/ مايو الماضي.
الان حصل اللقاء المرتقب، لكنه لا ينبئ بقدر كبير من التفاؤل، فشيطان التفاصيل، الذي نجح في منع تطبيق الاتفاق الأول، لا يزال كامناً بين ثنايا البنود العالقة بين الحركتين الفلسطينيتين، اللتين تسيران في خطين متعاكسين سياسياً وميدانياً، ما يطرح تساؤلات حول الفائدة من مثل هذه اللقاءات في ظل إدراك الطرفين أن الوصول إلى نهاية حقيقية للإنقسام لا يزال مستعصيّاً، وأن جل ما في يمكن تحقيقه هو تنظيم لهذا الانقسام، وإبقاء الباب مفتوحاً أمام إمكانية تحقيق المصالحة في المستقبل.
الأمور تشبه إلى حد بعيد اللقاءات التي كانت تتم بين الكوريتين، أو اجتماعات “السلام” بين القبرصتين، حيث كان يجري في ختامها الحديث عن أجواء إيجابية، والاتفاق على عقد لقاءات إضافية. وهذا ما حدث في لقاء “الفلسطينَيْن”. كلام في الهواء لا معنى له على الأرض، وتطمينات يميناً ويساراً، رغم إدراك الشعب قبل المسؤولين أن الأمور أعقد من أن تحل بقرارات فردية، وان ما يجري الحديث عنه هو مصلحة أكثر منه مصالحة، وتنظيم الاتقسام أكثر منه إنهاء الانقسام.
“الفلسطينان” المتمثلان في الضفة الغربية وقطاع غزة يعيشان على وقع ايدلوجيتين وأسلوبي حكم لا يلتقيان، ومهما خلصت النوايا، تبقى العقد أصعب من أن تذلّل بفعل رغبات شخصيّة، طالما أن الملف برمته مرتبط بحسابات دولية وإقليمية. ومهما حاول عباس أو مشعل التغاضي عن الضغوط الخارجية والإسرائيلية، إلا أنها تبقى فارضة لنفسها على الطرفين في اللقاء وخارجه. وعلى هذا الأساس جاء الاجتماع خالياً من معطيات التوافق الحقيقي.
لكن لكل طرف من الإثنين غاية في تحقيق حد أدنى من التفاهم. هذا الأمر كان في توقيع اتفاق أيار، وهو يتكرر اليوم. في الاجتماع الأول كانت المصالحة حاجة أساسية بالنسبة إلى الرئيس الفلسطيني، الذي كان في طريقه إلى الأمم المتحدة لتقديم طلب الاعتراف بالدولة. أبو مازن كان بحاجة إلى الذهاب إلى المحفل الدولي بمشهد فلسطيني وحدوي دفعه إلى تسريع آلية الاتفاق، الذي رآه الكثيرون فاشلاً منذ اللحظة الأولى لقيامه على المحاصصة بين الحركتين. ومع ذلك تمّ التوقيع على الاتفاق في احتفال ظن الكثيرون أن من شأنه أن يعيد اللحمة إلى جناحي الوطن الفلسطيني. لكن وقائع التطبيق جاءت مختلفة تماماً، وكل ما تحقق هو ذهاب عباس إلى الأمم المتحدة متحدثاً باسم الشعب الفلسطيني، رغم الانتقادات التي وجهتها “حماس” للخطاب، والذي جاء أصلاً من تعطّل المشهد التصالحي، على اعتبار أن أبو مازن لم يستشر الطرف الثاني في خطابه ومضمونه ولا في خطوة التوجه إلى الأمم المتحدة، رغم الإشادات بالخطوة من قبل عدد من قياديي “حماس” في الأيام الأولى للتوقيع على اتفاق المصالحة.
المرحلة الأولى من استحقاق الأمم المتحدة انتهت، وغاب معها الحديث عن المصالحة، إلى أن عاد للظهور مجدداً قبل أسبوعين. عودة مرتبطة أيضاً بملف الأمم المتحدة، بعد ما تسرّب عن تقرير لجنة العضوية في مجلس الأمن، الذي أشار إلى افتقار السلطة إلى مقومات الدولة بفعل عدم السيطرة على قطاع غزة.
“حماس”، من جهتها، لها غاياتها. فهي وإن كانت لن تتنازل لأبو مازن عن حكم قطاع غزّة، إلا أنها بحاجة إليه لنيل الاعتراف الدولي المطلوب، للسير على خطى الحركة العالمية للإخوان المسلمين، التي تبدو ذاهبة إلى الفوز بحكم كل من تونس ومصر وليبيا، وربما لاحقاً اليمن وسوريا. “حماس” سبقت هؤلاء إلى الحكم، إلا أن تجربة حكمها كانت مريرة بفعل الحصار الذي فرض عليها نتيجة رفضها الاعتراف بشروط الرباعية الدولية، ومن بينها وقف المقاومة والاعتراف بإسرائيل والاتفاقات الموقعة معها. اليوم يمكن القول إن الأمور تغيّرت قليلاً بالنسبة إلى الحركة الإسلامية. تغيير ناجم عن التبدل الحاصل في المشهد الإقليمي، والذي طال بشكل مباشر تحالفات “حماس” وعلاقاتها بدول الإقليم، ودخول تركيا على خط التواصل المباشر مع “حماس”، المشهورة ببراغماتيتها. الحركة الإسلامية تبحث اليوم عن الاعتراف الدولي الذي لا يمكن أن يتم إلا تحت مظلّة عباس. ولعل ما أعلنه مشعل عن الاتفاق مع أبو مازن على “المقاومة الشعبية”، قد يكون أول خطوات “حماس” على هذا الطريق.
المصلحة قائمة لـ”الفلسطينَيْن” من لقاء ابو مازن ومشعل، الذي بقي الفلسطينيون خارجه.