- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الجاسوسية تدعم القومية

Bassam 2013نقطة على السطر

بسّام الطيارة

لا وجود للرومانسية في سياسة الدول. لذا لا يلومن أحد الولايات المتحدة على ما تفعله حين تتجسس على «العالم كله». وتفرض الواقعية، كما علمنا التاريخ أن على كل دولة أن تفعل ما هو بمقدورها للدفاع عن مصالح شعبها ولحمايته. ووصولاً لذلك فالدول تسمح لنفسها أن تستعمل كل ما هو متيسر لها من مقدرات من علم وتكنولوجيا وصولاً إلى السلاح وبين هذه المقدرات يأتي التجسس كلازمة من لوازم معرفة «الآخر».
هكذا كان باراك حسين أوباما يجلس بين «حلفاءه» يبتسم لفرنسوا هولاند أو أنجيلا ميركل بينما هو «عارف» بما يدور في رأس الحلفاء لأن وكالة الأمن القومي وفرت له تقارير حول مراسلاتهم وخططهم للمفاوضات «بين الحلفاء».
علينا أن لا نقع في الفخ الذي نصبته الولايات المتحدة للعالم منذ عقود ومفاده أنه لم يعد هناك وجود لـ«الدولة القومية» وأن العالم بات «قرية الجميع فيها يحب بعضه البعض». بينما تتصرف واشنطن كدولة قومية من الطراز الأول: فهي ترفض أن يخضع مواطنيها لمحكمة العدل الدولية مثلاً، وتسن قوانين تفرضها على الدول لحماية مصالحها، وتعتبر أن قوانينها جارية خارج البلاد. تضغط على الحلفاء التاريخيين والخصوم التجاريين لتحصيل المكاسب التجارية والتقنية والسياسية.
ما تسعى إليه الولايات المتحدة هو «هيمنة ذات ثلاثة أبعاد»: تكنولوجية أولاً تسمح لها بهيمنة عسكرية ثانياً وبالتالي هيمنة اقتصادية ثالثاً، وهذه الأبعاد الثلاثة هي الهدف الأمبريالي الأميركي الذي يعتمد على سياسة «العولمة» التي تطبقها واشنطن طالما تذهب في اتجاه مصالحها وتنبذها بمجرد أن تراها تذهب في اتجاه معاكس. وللوصول إلى أهدافه «القومية» يعتمد العم سام على قدرة مالية لا حدود لها في الاستدانة من الأسواق العالمية.
في الواقع ما يصيب أوروبا اليوم يعود إلى سياسة التقشف التي تقودها ألمانيا وحصر نفقات الدفاع والبحوث العلمية وكل مصاريف الدولة بمفهومها «القومي» مع نزعة نحو الخصخصة لكافة الميادين حيث كانت الدولة في السابق تفرض سيادتها على مجالات أساسية مثل الدفاع والبحوث.
بينما الولايات المتحدة «تستدين» من العالم لرفع قدراتها في مجالات التسلح والعلوم والتكنولوجيا، ورغم أن الليبرالية تعتمد على القطاع الخاص كقاعدة لفلسفتها السياسية إلا أن حدود الليبرالية هي «المصلحة القومية». في ولايته الأولى «أمم» أوباما أربعة مصارف لانقاذ الاقتصاد الأميركي، وقبل أسابيع تم إعادة «مناقصة العصر»لتزويد الجيش الأميركي بألف طائرة نقل ثلاث مرات لأن شركة «إير باص» فازت بالمناقصة عوضاً عن …شركة «بوينغ». وفي الحالات التي لا يمكن لأي شركة أميركية أن تنافس الشركات الأجنبية تفرض الإدارة الأميركية على تلك الشركات «تغييرات» في مجلس إدارتها بحجج قانونية تعتمد على «الأمن القومي».
تحاول واشنطن الضغط على أوروبا لمنعها من اقتناء نظام «ج بي إس» بينما تمسك هي بمصدر هذه التكنولوجيا التي تسمح بمراقبة الأرض من السماء. وتتمسك واشنطن بـ«توطين» كل أسس شبكة أنترنيت في أراضيها. وفي مدى منظور سوف يشكل استعمال أنترنت مشكلة كبيرة فأميركا تمسك بكل مفاتيحه ماذا يمكن أن يحصل في حال نشوب حرب؟ هل نتصور أن واشنطن سوف تترك «أعداءها» يستعملون شبكة أنترنيت التي باتت قاعدة تواصل جيوش العالم وإدارة شبكات تواصلها؟ لقد سبق وحصل هذا مع صربيا عام ١٩٩٤ وتم قطع شبكة أنترنيت عن صربيا ما منعها من استعمال سلاحها للدفاع عن أجواءها. ماذا سيحصل في حال نشوب حرب مع سوريا أو مع إيران أو كوريا الشمالية ؟

يحصل هذا اليوم في النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي: يتم التجسس عبر على بروكسل عبر … أنترنيت. في خضم المفاوضات على فتح الأسواق بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تتجسس واشنطن على حلفاءها.
هذا طبيعي.
الاتحاد الأوروبي منافس تجاري كبير خصوصاً في المجالات الزراعية الاستراتيجية للأمن «القومي» الأميركي. لماذا إيطاليا وفرنسا واليونان كانت مؤخراً في منظور التجسس الأميركي؟ لأن هذه الدول الثلاثة لديها صناعة «ثقافية» ومنها صناعة سينما وهي ضغطت ونجحت في «استثناء الثقافة» من سياسة الأسواق المفتوحة بحجج «قومية» وهو ما يزعج «هوليود» ليس فقط لأسباب تجارية بل لأن هوليود تدعم «الحس القومي الأميركي» المتمثل في «نمط الحياة الأميركي» الذي يدعم الاقتصاد وبالتالي القدرة على الاستدانة ومن ثم حماية «الأمن القومي الأميركي».