- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

المؤتمر الدولي حول فيلسوف التصوّف جمال الدين الباكوي

حين يتوحد المسلمون في منطقة التصوّف

دكتور زعيم خنشلاوي*
تكمن أهمية انعقاد مؤتمر باكو الذي بدأت أعماله في 2 تموز/ يوليو 2013في العاصمة الآذرية باكو،إحياءً لمرور 550 عاماً على وفاة الفيلسوف الصوفي الكبير سيد جمال الدين يحيى الباكوي، مؤسس الطريقة الخلوتية في جمعها للمسلمين على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم. انتشر صيتها من القوقاز وتحديداً من جمهورية أذربيجان إلى جميع ربوع العالم الإسلامي إلى حدود أفغانستان شرقا وحتى الجزائر غربا مرورا بالأناضول وبلاد الشام ومصر. وتعد من أكبر الطرق الصوفية والتي يرأسها اليوم أحمد الطيب شيخ الأزهر، باعتباره في نفس الوقت شيخ الطريقة الخلوتية في مصر.

هذا المؤتمر الذي ينعقد في إطار قرار منظمة اليونسكو إعلان 2013 سنة سيد يحيى الباكوي، بحضور علماء أكاديميين ومشايخ صوفيين قدموا من مختلف أصقاع المعمورة يدلّ على عناية الحكومة الآذرية بالتراث الصوفي والعمل على ترقية تعاليمه التي تحثّ على التسامح والحوار والتّعايش بين الملل والنّحل كما يدل عليه عنوان المؤتمر “الخلوتية كظاهرة عالمية لتعزيز حوار الثقافات والحضارات”.

والحقيقة أن دولة أذربيجان المسلمة حيث يقدّر عدد المسلمين فيها  %93,4 بحكم التعددية المذهبية التي تميّزها، والتي تتوزّع كالتالي: 85% شيعة 15% سنّة بينما تتوزّع الأقليات غير الإسلامية ما بين 4,8 من المسيحيين منهم  %2,5 روس أورثوذوكس والباقي من رعايا الكنيسة الرسولية الأرمينية والجورجية الأورثوذوكسية والبروتستنت والروم الكاثوليك، فضلا عن أقلية يهودية تتوزّع على ثلاث طوائف تتشكّل من يهود الجبال والأشكناز واليهود الجورجيين تعدادهم بضعة آلاف يشكّلون أقل من 01% من السكّان هي مثال حي للتعايش السلمي بين مختلف الأديان.
وحريّ بالمسلمين الاستلهام من النموذج الآذري الذي يعدّ بحق مثالا يحتذى به في العالم الإسلامي الذي يعيش تشنّجا مذهبيا خطيرا ومقيتا.
ولعل في المبادئ العلمانية التي يرتكز عليها نظام الحكم في أذربيجان فضلا عن التصوّف الذي يعدّ اللّحمة التي تربط بين جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم، والذي حقّق في هذه البلاد على مرّ العصور ترياقاً منيعاً ضد كل أشكال التعصّب والكراهية، أفضل وصفة يمكن أن تقدّم للمسلمين الغارقين في النزاعات والانقسامات.
ومن أجمل صور المودّة والوحدة التي تميّز الإسلام في بلاد القوقاز تعود إلى زمن جوزف ستالين، الذي طالب مسلمي هذه المنطقة بتنظيم أنفسهم سنة 1944 في إطار إدارتين منفصلتين إحداهما للأغلبية الشيعية والثانية للأقلية السنّية فأبى المسلمون إلا أن ينصهروا في إدارة واحدة تجمعهم جميعاً يترأسها منذ 1980 شيخ الإسلام شكر الله باشا زاده، الذي تمتد صلاحياته الدينية خارج حدود أذربيجان فهو رئيس طائفة المسلمين أيضا في أرمينيا وجورجيا وشمال القوقاز وحتى جنوب فدرالية روسيا وهو يفتي على المذهبين الجعفري والحنفي بحكم تكوينه الازدواجي الفريد في الحوزات الإمامية بأذربيجان ومدرسة ميري عرب السنّية الشهيرة في بخارى وسط آسيا.
واليوم يضفي سيد يحيى الباكوي بروحه الصّوفية وتآليفه العرفانية على هذا المؤتمر العلمي المهيب الذي ينعقد تحت إشراف وزارة الثقافة بتنسيق مع أكاديمية العلوم الوطنية لجمهورية أذربيجان برعاية منظمة اليونسكو، بعداً جماليا ووحدوياً للمسلمين في هذه البقعة النائية من العالم الإسلامي والتي هي من أقدم الولايات العربية حيث وصلها الإسلام في القرن الأول الهجري / السابع ميلادي.
كما لا يسعنا أن ننس أن أول جمهورية قامت في الإسلام هي جمهورية أذربيجان الديموقراطية عام 1918 أي قبل قيام جمهورية أتاتورك بست سنين.
فحري بالمسلمين وهم اليوم فريسة للعنف الطائفي في أقبح صوره أن يستلهموا من النموذج الرّائع الذي تقدمه جمهورية أذربيجان للعالم الإسلامي في مجال التسامح الديني والتعايش المذهبي.
*بروفسور زعيم خنشلاوي
باحث أكاديمي في التصوّف وخبير دولي في حوار الأديان
وأستاذ في جامعة الجزائر – Algeria