- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

مصر رهينة تعقّل الجماعة

egypteجمانة فرحات
هل تتجه مصر نحو الخلاص بعد الاطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي ام أن البلاد على وشك أن تشهد سيناريو كارثي عنوانه الأبرز اقتتال أهلي؟
حسم اي مسار ستسلكه بلاد الفراعنة ينتظر جلاء معالم المرحلة القادمة، وتحديداً مواقف أكثر أطرافها قدرة على توجيه دفة الأحداث، الجيش وجماعة الإخوان المسلمين.
الجيش بدا مصمماً منذ اولى لحظات الاطاحة بمرسي على ضبط ايقاع الاحداث وعدم التهاون مع اي محاولات لتعميم التوترات الأمنية. اجراءات اعتقال قيادات الاخوان، توقيف بث المحطات الاسلامية، محاصرة مؤيدي الرئيس في ميدان رابعة العدوية وبالقرب من جامعة القاهرة، وصّفها الجيش على أنها أشبه بجراحة موضعية لا بد منها لشل قدرة التظيم الاسلامي ولو مؤقتاً، منعاً لانفلات الشارع واتجاهه إلى اقتتال اهلي. وهو السبب نفسه الذي لجأ إليه الجيش  لتبرير تدخله السريع  في مسار الاحتجاجات واسقاطه “بالضربة القاضية” مرسي وجماعته من منصب الرئاسة.
في موازاة هذا الاصرار على الضرب بيد من حديد ومسارعته لاعلان حالة الطوارئ القصوى في كل من جنوب سيناء و السويس رداً على الهجمات التي تعرضت لها بعض مقاره، أرسل الجبش أكثر من اشارة تؤكد رفضه ارساء اي منهج اقصائي للحركات الإسلامية وتحديداً جماعة الاخوان المسلمين. وهو ما كرره أكثر من مرة على مدى اليوميين الماضيين قبل أن يقرنه بأفعال، لعل أبرزها الايعاز إلى النائب العام العائد إلى منصبه عبد المجيد محمود التخلي عن موقعه، وخصوصاً أن الأخير بات في نظر أنصار الجماعة مثل الطائر الجريح الذي عاد لينتقم، وبالتالي لن يكون هناك أي ثقة بأي قرار يتخذه.
خطوات الجيش هذه لا تنفصل عن رغبته في احتواء تداعيات قراره الاطاحة بأول رئيس مدني جاءت به الشرعية الانتخابية قبل أن تلفظه الشرعية الشعبية. بالرغم من ذلك، فشل الجيش ومن خلفه جميع القوى السياسية المعارضة لمرسي وحكم الاخوان في احتواء غضب الجماعة واقناعها بالتسليم بالأمر الواقع. مرشد الجماعة محمد بديع، جزم  في كلمته أمام معتصمي رابعة العدوية أمس أن الإخوان يرفضون اي حل لا يتضمن عودة مرسي إلى الحكم، موجهاً بشكل رئيسي معظم رسائله إلى الجيش الذي “غدر” بالرئيس الشرعي من وجهة نظر الاخوان المسلمين. ولأن الرسالة أولاً وأخيراً للجيش لم يكد بديع ينهي كلمته حتى أطلق العنان لأنصاره لاستعراض قوة في الشارع هدف في جزء منه لبث الرعب في نفوس المصريين والتأكيد على أن الجماعة جادة في ذهابها بعيداً في الدفاع عن رئيسها. لكن ما تجاهله بديع أن الجماعة ستكون في مواجهة جزء كبير من الشعب خرج بالملايين إلى الشارع رفضاً لسياستها وليس فقط في مواجهة جيش قرر الانحياز إلى ارادة طيف واسع من الشعب ضاق ذرعاً برئيس منفصل عن واقع شعب قرر التسلط عليه وعجز عن رعاية مصالحه.
وإن كان الهدوء النسبي اليوم بعد موجة قاسية من اعمال العنف امس اودت بحياة 36 شخصاً يعزز التوقعات بميل الجماعة إلى الاعتراف بتبدل المشهد ومحدودية قدرتها على تغييره، يبقى أن تسليم الجماعة بالتغييرات في المشهد المصري والاليات التي ستختارها للتعبير عن معارضتها في المرحلة المقبلة هي الفيصل.
هنا تحديداً، تبدو الخشية من أن التشدد المتوقع أن يتضاعف في أوساط قيادات الجماعة وحتى أنصارها، قد لا يتأخر في التمظهر على شكل اعمال انتقامية ضد الخصوم، مما يهدد بعودة الجماعة ومصر سنوات إلى الوراء. وعندها تكون قررت الجماعة، التي دفعت غالياً ثمن هرولتها إلى التمكين، أن تجعل الشعب المصري يدفع فاتورة أخطائها باسالة الدماء عوضاً عن الاعتراف بأن لا قدرة على التعايش في مصر إلا ضمن شراكة وطنية تشكل الجماعة أحد أبرز أطيافها.