- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

مصر: الأخطاء القاتلة للجماعة

Embleme_des_Freres-Musulmans_et_leur_fondateur_Hassan-El-Bannaجمانة فرحات

مما لا شك فيه أن الرئيس المصري المُقال محمد مرسي دفع غالياً ثمن أخطاء جماعته. مشكلة الأخير أنه لم يمارس يوماً صلاحياته كاملة بوصفه رئيس لكل المصريين، بل كان مجرد وكيل يتولى تنفيذ سياسة جماعة الاخوان المسلمين، فلا يصغي إلا لما تقول ولا ينفذ إلا ما تريد. ولذلك، يصبح منطقياً القول إن مرسي كان أولاً وأخيراً ضحية قرارات جماعته الخاطئة التي عرته بعد أن راكمت له الخسائر.

اهم من خسره مرسي كان الشعب وتحديداً تلك الفئة من الناس التي صوتت له في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية وفضلته على أحمد شفيق. يومها انحازت هذه الفئة إلى مرشح اسلامي تُحسب جماعته على الثورة، رافضةً اختيار رئيس ينتمي إلى نظام حسني مبارك. لكن مرسي وجماعته  ضربوا بعرض الحائط تضحيات هذه الفئة. لم يقدروا أن من انتخب مرسي بالرغم من كل التحفظات عليه، كان يبحث عن انجازات تؤكد صوابية خياره. جلّ ما قامت به الجماعة التي وصلت للحكم بعد ثورة 25 يناير أنها عززت من شكوك هؤلاء وجعلتهم يندمون على أصواتهم التي منحوها لمرسي في صناديق الاقتراع.

مشكلة الجماعة أنها تعاملت مع السلطة بوصفها احتكاراً يسمح لها بفرض شروطها على كل المسار الذي تلا توليها الحكم عبر مرسي. صحيح ان الجماعة التزمت المؤسسات الدستورية لكن شكلاً وليس مضموناً فكانت النتيجة جمعية تأسيسية فاقدة للتوافق، دستور معيب، مجلسي نواب وشورى عقيمين، تشريعات مجتزأة، تضييق على الحريات باسم القضاء، وباسمه أيضاً مهادنة اركان النظام السابق بل واستمالتهم مقابل استهداف الثوار الحقيقين وعدم تحصيل حقوق الشهداء والمصابين.  وفوق كل ذلك لم تتردد الجماعة  لحظة في الاخلال بوعودها التي اطلقتها اضافة للعمل على أخونة مؤسسات الدولة وبشكل خاص كبار المناصب. الوزراء، المستشارون والوكلاء أغلبهم إخوان أو ممن يدورون في فلك الجماعة. لذلك لم يكن مستغرباً أن تتحول الجماعة في نظر الشعب إلى المسؤولة الوحيدة عن كل مشاكل البلاد التي يجب الاعتراف أنها تفاقمت بشكل دراماتيكي ومثير للتساؤلات قبل انفجار الغضب الشعبي يوم 30 يونيو/ حزيران.

خطأ الجماعة الثاني تمثل في خسارة سندها الاسلامي القوي. صحيح أن حزب النور منافس سياسي وانتخابي لها، إلا أنه مد يد التعاون إليها عبر المؤسسات الدستورية. لكنها اختارت العمل على اختراقه حيناً وتحقيره حيناً آخر على غرار الاتهامات التي وجهت  بحق المستشار الرئاسي السابق المنتمي للحزب السلفي، خالد علم الدين عندما اختارته الجماعة للانتقام من النور بعد الخلافات السياسية مع الحزب السلفي على خلفية اتهامه للجماعة باخونة الدولة. وهكذا نجحت الجماعة في دفع الحزب إلى اتخاذ قرار النأي بنفسه يوم 30 يونيو/ حزيران.

أما الجيش فكانت الجماعة كمن تبحث عن مشكلة دائمة معه، فلا تكاد تنتهي أزمة حتى تبرز أزمة أخرى إلى العلن، وصل بعضها وبشكل غير مسبوق إلى الاعلام الذي جعلت منه الجماعة ممراً لرسائلها الموجهة للجيش واظهار استخفافها بقيادة وسمعة العسكر قبل ان تأتي سياسات مرسي الخارجية لتصب الزيت على نار العلاقة بين الطرفين. وقد اثبت سوء فهم مرسي والجماعة لمهلة الأسبوع التي منحها الجيش للقوى السياسية في البلاد لحل الأزمة بعد تفاقمها ومن ثم مهلة الـ48 ساعة، أن الجماعة كانت عاجزة طوال عام كامل عن امتلاك تقدير واقعي لكيفية تفكير واحتمالات تصرف مؤسسة الجيش، أقوى مؤسسات البلاد وأكثرها حنكة.

بهذه الممارسات نجحت جماعة الاخوان المسلمين في استعداء جزء واسع من الطيف المصري، لذلك لم يكن مستغرباً أن تتقاطع مصالح هذه الفئة الغاضبة من الشعب مع الفلول والجيش على ضرورة التخلص من حكم مرسي، دون أن يكون هناك بالضرورة أي تنسيق مسبق بينهم.  ولم يكن نجاح حركة تمرد في جمع 22 مليون توقيع بعدما قضت أسابيع تعد الشارع للتمرد على نظام الإخوان سوى أولى مؤشرات قرب الانهيار قبل أن تحين اللحظة في الثلاثين من يونيو/ حزيران. وهي اللحظة التي قرر الجيش فيها التحرك لتصفية حسابه باسم الشعب مع الجماعة التي تسبب تفردها في الحكم وسوء ادراتها في تعرية الرئيس من أي سند مما سهل الانقضاض عليه.

أخطاء لا بد للجماعة  من الاقرار بها اذا ما أرادت  فعلاً الاستمرار في الحياة السياسية المصرية وعدم الانجرار إلى دوامة العنف التي من شأنها القضاء على الإخوان المسلمين، وخصوصاً أن الاستمرار في لعب دور الضحية سيقلص من فرص امكان اعادة الجماعة لبناء تحالفاتها وتصحيح الأخطاء التي أوقعت نفسها فيها وأفقدتها الحكم من السنة الأولى.