
الجنرال السيسي في مكتب «الرئيس» مرسي.
بسّام الطيارة
بالطبع يبدو الجنرال عبد الفتاح السيسي في واجهة «الانقلاب» ويبدو الرجل القوي الذي أزاح رئيساً منتخباً بعد أن أقسم يمين الولاء أمامه قبل سنة وبضعة أسابيع منقذ البلاد من شر الإخوان.
السيسي يقول إن الجيش في خدمة الشعب وأن الشعب قرر الانتهاء من التفويض الذي أعطاه لمحمد مرسي عبر صناديق الاقتراع وإن الجيش لم يقم سوى بـ«الاقتراب من السياسة» لحماية الشعب. ولكم الجنرال سيسي هو الظاهر من جبل الجليد العسكري المصري الذي يتكون من منظمومة الجيش بكافة مكوناتها العسكرية ولكن أيضاً الاقتصادية والتي تعود إلى عهد مبارك.
تحرك القوات المسلحة كان لحماية مصالح الجنرالات الذين يشكلون مجلس قيادة الجيش.
فالجيش المصري يدير مؤسسات صناعية وتجارية وسياحية يفوق مجمل أعمالها الـ ١٠٠ مليار دولار أي «خمس الناتج الوطني المصري». من المواد الغذائية إلى المشتقات النفطية مروراً بإدارة الفنادق السياحية وتصنيع السيارات والغسالات والحواسيب والتلفزيونات وإدارة المزارع الصناعية، إن نشاط الجيش المصري الاقتصادي يضعه في رأس قائمة المؤسسات التجارية المصرية.
في كل سوبر ماركت نجد ماركة «القوات المسلحة» (Armed Forces) على أكياس المعكرونة أو على زجاجات الزيت أو على علب البيض أو مدموغة على أفخاذ الدجاج أو أكياس السمك المجفف نجد منتوجات الجيش.
تدر هذه الأعمال مداخيل خيالية على الجيش المصري وتعتبر من الأسرار العسكرية ويحاسب القانون كل من ينشر حثياتها وتفاصيلها.
فلا أخد يأتي على سيرة شبكة محطات الوقود المعروفة تحت اسم «وطنية» التي هي، حسب صحيفة «فراكفورتر ألغمانيوم» الألمانية، غير مسجلة لدى مصلحة الضرائب ، وكذلك الأمر بالنسبة لمصانع المعكرونة وهي المادة الأساية في الغذاء المصري. ويسمك الجيش بعدد كبير من المسالخ التي لا تخضع دفاتر حساباتها لأي رقابة سوى رقابة الجيش. من هنا يمكن القول إن «الجيش المصري يمسك ما بين الـ ٣٠ و٤٠ في المئة من المجموعات الاقتصادية-الصناعية»، ولديه هيمنة (مونوبول) في العديد من المجالات، يتحكم بأسعار سلعها من دون أي منافسة. ولا يكتفي الجيش المصري بالإمساك بقسط وافر من الاقتصاد الوطني بل يعمد في الديد من الأحيان إلى إرسال المجندين للمساعدة في الحقول الزراعية التابعة له أو في مصانعه للمساعدة في عمليات التجميع الصناعية.
إلا أن قوة الجيش الاقتصادية هي في مجال العقارات، إذ أن القوانين تسمح له بوضع اليد على أي قطعة أرض أميرية (أو خاصة بعد تعويض رمزي) بحجة «المصلحة العليا للدفاع عن البلاد». وهكذا يتحول الجترالات إلى مستثمرين عقاريين يبنون المجمعات الفاخرة والتجمعات السياحية والفنادق الفخمة، وتدر هذه الأعمال مبالغ ضخمة جداً من دون أي رقيب إذ يستطيع الجيش بيع (أو تأجيرها) هذه اعقارات والمنشآت لشركات سياحية خاصة بأسعار مضاعفة مرات ومرات فتكلفة يد العاملة لديه رخيصة إن لم نقل معدومة بالجوء للمجندين وأسعار الأرض هي … مجانية في غالب الأحيان.
يقول البعض إن الديكتاتورية فعالة في الإدارة مقابل كبت الحريات، إلا أن جنورالات الجيش المصري لم ينجحوا في تفعيل الاقتصاد المصري ولا في توفير وفرة مالية جراء وضع يدهم على ٤٠ في المئة من اقتصاد دولة كبرى يعيش فيها ٩٠ مليون نسمة. أضف إلى أن الجيش المصري حظى بـ ٤٠ مليار دولار في السنوات الثلاثين الأخيرة وهي قيمة المساعدات الأميركية التي تذهب معظمها إلى قطاعات القوات المسلحة. فإذا أضفنا إلى الـ ٤٠ مليار دولار قيمة مردود ٤٠ في المئة من الاقتصاد الوطني وأرباح شركات تعمل من دون دفع تكلفة عمال ؤشركات عقارية تبيع أرض لم تدفع ثمنها، يمكننا السؤال أين هذه المبالغ الطائلة؟
السيسي ليس عبد الناصر والجنرلات الذي يشكلون مجلس القيادة العليا ليسوا ضباطاً أحراراً، رغم البغض الطبيعي الذي يمكن أن يشكله وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم إلا أن تحرك السيسي وانقلابه يدل على شيء واحد هو منع إقامة دولة المحاسبة وقطع رزق الجنرالات والعودة إلى نعمة سابق عهد مبارك الذين كانوا يشاركونه نهب مصر.
لو اتفقت المعارضة «غير الدينية» قبل الانتخابات لما ربح الإخوان معركتي الانتخابات والرئاسة، ولكن حتى في هذه الحال ونظراً لمصالح الجيش الضخمة ما من شك من الانقلاب كان سيحصل.