- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

منذر خدّام لـ «أخبار بووم»: المعارضة قطعت شوطاً على طريق التوحد

أحمد سامر كرم
يبدي منذر خدام، مسؤول العلاقات العامة في حركة «معاً»، عضو المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديموقراطي في سوريا، ثقة بنجاح المعارضة السورية في التوحد، ويؤكد أنه قطعت شوطاً على هذا الطريق من خلال المحادثات التي تجري في القاهرة. ويشدّد، في حوار مع «أخبار بووم» أن النظام السوري إلى زوال، غير أنه يتوقّع أن تطول الأزمة التي يرى أن المخرج منها يكون عبر «حلّ تفاوضي». وفي ما يأتي نص الحوار:

* تكثر الاتهامات الموجهة إلى هيئة التنسيق الوطني بأنها الأقرب إلى السلطة وتقوم بالتنسيق بشكل دائم مع رجالات السلطة، كيف يمكن دحض هذه الاتهامات خاصة أنها أثرت بشكل كبير على موقف الشارع من الهيئة كما تظهر لافتات التظاهرات؟

– في الواقع لا تستند هذه الاتهامات إلى أي أساس، وهي تندرج في إطار ما أسميه عدم نضج المعارضة، وعدم قدرتها على تجاوز لغة الخطاب السياسي القديمة، التي تستخدم من قبل الأطراف المعنية لتخوين بعضها بعضاً عندما تختلف وجهات نظرها السياسية. ما يدحض هذه الاتهامات هو سلوك ومواقف الهيئة المعلنة والمعروفة. بالنسبة لنا في هيئة التنسيق اتخذنا قراراً واضحاً بعدم الانجرار إلى أي مهاترات إعلامية مع أي طرف معارض لأن ذلك يصب في المحصلة في خدمة النظام. نأمل أن تفضي المحادثات الجارية في القاهرة بين هيئة التنسيق الوطنية والمجلس الوطني السوري وأطراف معارضة أخرى، تحت إشراف ورعاية جامعة الدول العربية، إلى وحدة المعارضة السورية أو في الحد الأدنى إلى تنسيق مواقفها وسياساتها، وبحسب معلوماتي إن ثمة خطوات جدية قد تم قطعها على هذا الطريق بفضل جهود جميع الأطراف المعنية المجتمعة في القاهرة. إن وحدة المعارضة السورية استناداً إلى رؤية سياسية وطنية لمتطلبات المرحلة الانتقالية، ولسوريا الديموقراطية المنشودة هو هدف رئيس لهيئة التنسيق لن تدخر جهداً لتحقيقه.
* شهدت الهيئة انسحابات عديدة لشخصيات هامة ومؤثرة، ما السبب؟
– ثمة الكثير من عدم الوضوح تجاه هذه المسألة، وبدأ البعض يستخدمها للإساءة لهيئة التنسيق، والمضحك في الأمر أن هناك أشخاصاً يعلنون انسحابهم من الهيئة ولم يكونوا يوماً فيها. من المعلوم أن هيئة التنسيق تضم في عضويتها خمسة عشر حزباً وحركة سياسية إضافة إلى شخصيات وطنية معروفة. الحديث عن الانسحابات يتركز عادة حول هذه الشخصيات مثل الأستاذ ميشيل كيلو، والأستاذ حازم نهار والأستاذ فايز سارة والأستاذ سمير العيطة. بالنسبة للأخ ميشيل كيلو فقد حضر مؤتمر الهيئة في حلبون وكانت له مساهمة جيدة فيه، لكنه لم يرشح إلى المجلس المركزي وبالتالي لم ينتخب في المكتب التنفيذي، أما بالنسبة للأخ حازم نهار فهو موجود في الخارج ولم يحضر مؤتمر هيئة التنسيق، وبالتالي لم ينتخب في هيئاتها القيادية. أما بالنسبة للأخ فايز فقد أوضح موقفه من هذه القضية وهو عضو في الهيئة لكنه ليس في مكتبها التنفيذي، وكذلك الأمر بالنسبة للسيد سمير العيطة. وعموماً، أستطيع أن أجزم أن الأخوة المشار إليهم لم يبتعدوا في رؤيتهم السياسية عما تقول به الهيئة، وهم يؤدون دوراً سياسياً معارضاً مستقلاً مشهوداً لهم به.

عندما يخرج المترددون والصامتون سيضيق الخناق كثيراً على النظام

* ألا يمكن رأب الصدع بينكم وبين المجلس الوطني، خاصة أن ذلك يسهل العمل السياسي الداعم للثورة؟ وهل من إمكانية لانضمام هيئة التنسيق إلى المجلس الوطني؟
– رأب الصدع بين المجلس الوطني وهيئة التنسيق وأطر المعارضة الأخرى مطلوب وضروري جداً، وخصوصاً في هذه المرحلة. وكنت من المتابعين لقضايا توحيد المعارضة بدءاً من المحاولات التي جرت قبل لقاء الدوحة، وما بعده، وأستطيع القول إن الخلافات ليست في جوهرها سياسية، فالجميع يريد إسقاط النظام وبناء نظام ديموقراطي تعددي بديلا عنه. بل تتركز الخلافات حول هواجس ليست صحيحة مثل اتهام أطراف في هيئة التنسيق لبعض أطراف المجلس الوطني بالعمالة للخارج وعملها الحثيث على استدعاء التدخل العسكري الخارجي لإسقاط النظام السوري، أو اتهام بعض أطراف المجلس الوطني لهيئة التنسيق بأنها لا تريد إسقاط النظام، بل إصلاحه، وهي جاهزة للحوار معه. اليوم لا أحد يختلف على مثل هذه القضايا، وكما ذكرت فإن ثمة محادثات تجري في القاهرة برعاية جامعة الدول العربية يشارك فيها المجلس الوطني وهيئة التنسيق وأطرف معارضة أخرى لتوحيد المعارضة على أساس رؤية سياسية وطنية مشتركة، وقد أحرزت هذه الحوارات تقدماً جيداً كما تفيد بذلك المعلومات الواردة من القاهرة.
* هل أنتم على تواصل مع الشباب المتظاهر، بشكل أخص مع ما يسمى بتنسيقيات الثورة السورية؟
– هذا مؤكد، وكان لهم حضور مهم في مؤتمر هيئة التنسيق (ثلث المندوبين)، ولهم مع المستقلين 60% من المجلس المركزي، ولهم ستة أعضاء في المكتب التنفيذي. كوادر الهيئة وأعضاؤها يساهمون في الحراك الشعبي في جميع مناطق سوريا، ولديهم معتقلون كثر منهم ثلاثة من مكتبها التنفيذي هم الدكتور محمد العمار ممثلا التيار الإسلامي الديموقراطي في الهيئة،  والدكتور نايف سلوم والأستاذ منصور الأتاسي ممثاين عن تيارات ماركسية، وهناك معتقلون من حركة «معاً» التي أمثلها في المكتب التنفيذي للهيئة في طرطوس ودمشق وغيرها من مناطق سوريا. جميع تنسيقيات الثورة ممثلة في الهيئات القيادية للهيئة.
* أغلب الآراء تقول باستحالة إسقاط النظام عبر التظاهرات، ما الخطوات القادمة التي يتوجب على الثورة اتباعها برأيك؟
– هذا قول غير صحيح، فعندما يخرج المترددون والصامتون إلى الشوارع عندئذ سوف يضيق الخناق كثيراً على النظام، وهذا ما ينبغي أن تعمل عليه جميع القوى المعارضة وقوى الحراك الشعبي. لا شك بأن الأوضاع في سوريا معقدة جداً، وكل من يعتقد بأن عملية التغيير الوطني الديموقراطي في سوريا سوف تكون سهلة وبلا ثمن باهظ فهو مخطئ. لقد نجح النظام حتى الآن في استثمار ما نسجه من علاقات ومصالح مع الطبقة التجارية ومع رجال الدين، كما نجح في تخويف الأقليات الدينية من التغيير القادم، واستفاد أيضاً من انقسام المعارضة ومن بعض الدعم الدولي له، لكن اليوم جميع هذه العوامل الداعمة له بدأت بالتصدع. من الأهمية بمكان العمل على توسع رقعة التظاهرات الاحتجاجية وتطويرها وصولاً إلى العصيان المدني، عندئذ سوف يسقط النظام لا محالة. ثم لا ينبغي استبعاد حصول تصدعات وانشقاقات ذات مغزى في بنية النظام ودعائمه الأمنية والسياسية. وخدمة لهذا الهدف، من الأهمية بمكان تشديد الحصار العربي والدولي على النظام بما لا يؤذي الشعب السوري وهذا ما يجري العمل عليه اليوم. بالنسبة للتدخل العسكري الخارجي لا أعتقد بوجود من يعمل عليه فعلياً، فهو خيار مرفوض دولياً وعربياً ومن قبل السوريين بالنظر لمخاطره الجمة على الكيان السياسي  السوري وعلى استقرار المنطقة ككل.
* كيف يمكن تفسير عزوف حلب بشكل شبه كامل عن المشاركة بالتظاهرات، وكذا دمشق مع استثناء عدد قليل من الأحياء؟
– بالنسبة لدمشق بدأت تخرج تظاهرات في قلب العاصمة وفي أحيائها الراقية، رغم أنها لا تزال محدودة. في دمشق نجح النظام (حتى الآن) في استثمار تحالفه غير المقدس مع فئة رجال الدين، من خلال تأمين مصالحها وامتيازاتها، وهي فئة فاعلة في أوساط الدمشقيين، ولا ينبغي أيضاً إغفال الحضور الأمني المكثف في العاصمة. أما بالنسبة لحلب فيعود الأمر بالدرجة الأولى إلى التحالف بين النظام والطبقة الصناعية والتجارية الحلبية، فهي شريكته في نهب اقتصاد البلد، إضافة إلى الحضور الأمني المكثف في المدينة. يتحدث الحلبيون عن وجود أكثر من مائة ألف شبيح (قوى عسكرية غير نظامية مأجورة) في مدينتهم. الوضع سوف يتغير(وقد بدأ بالتغير فعلا) من جراء الحصار الاقتصادي والسياسي الذي تتعرض له سوريا، وبدأ يؤثر بشكل ملموس على مصالح هذه الطبقة.

سوريا لن تشهد صراعاً طائفياً أو حرباً أهلية شاملة

* إلى أين وصل الشرخ الطائفي في سوريا مع تطور الأحداث، وخصوصاً مع ما يقال عن حوادث طائفية دموية في حمص على سبيل المثال؟ وهل تتخوف من حرب أهلية في سورية بعد سقوط النظام؟-الورقة الطائفية هي من جملة الأوراق التي يهدد بها النظام دائما. سوريا لن تشهد صراعاً طائفياً أو حرباً أهلية شاملة، فالشعب السوري بكل طوائفه يدرك جيداً مخاطر ذلك عليه. ما يحصل اليوم هو تصرفات غير مسؤولة من بعض السوريين المتطرفين، أو المرتبطين بأجندات خارجية، ويجري العمل المدني على تطويقها ومحاصرتها، ولهذا الغرض تم تشكيل لجان أهلية ومدنية لمحاصرة المتطرفين ومنعهم من القيام بأي أعمال تهدد السلم الأهلي.
* هل ترى أن النظام ورّط الطائفة العلوية معه؟ علما أنها كغيرها من الشرائح السورية تعرضت للقمع والظلم على يديه؟
– الصحيح أنه نجح في إخافتها من التغيير القادم، مستغلاً التصريحات غير المسؤولة لبعض المتطرفين التي تدعو إلى الانتقام منها. وما ينطبق على العلويين ينطبق على المسيحيين وغيرهم من الأقليات الدينية الأخرى. مع ذلك كثير من العلويين والمسيحيين يشاركون في انتفاضة الشعب السوري وهناك العديد من الأسماء البارزة في هذا المجال. ينبغي إدراك أن النظام السوري لم يكن يوماً طائفياً، ولم يكن العلويون طائفته، وان استفاد من وضعهم الاقتصادي وظروف حياتهم لفتح مؤسساته الأمنية والعسكرية أمامهم. بكلام آخر فهو يستخدم بعضهم كأدوات في تنفيذ سياساته الأمنية. يكاد هذا هو حال جميع الأنظمة العربية فهي تعتمد على البنى الأهلية المقربة منها لتدعيم أركانها وبقائها في السلطة. يكاد لا يخلو بيت من بيوت العلويين في الساحل إلا وقدم سجيناً نتيجة معارضته لهذا النظام، واليوم يتعرض كثيرون من أبناء الطائفة العلوية للملاحقة والاعتقال أو التهديد بهما.
* هل يملك النظام فعلا نسبة كبيرة من المؤيدين؟ وعلى أي أسس؟
– بلا شك، لدى النظام السوري مؤيدون وأنصار ليسوا قليلين، استطاع جذبهم على أسس مصلحية كما في حال فئة رجال الدين والطبقة البرجوازية خصوصا في حلب ودمشق، أو على أسس طائفية مثل الأقليات الدينية بأن زرع فيها الخوف من التغيير القادم، وهناك مؤيدون للنظام لأسباب سياسية بذريعة انه ممانع ويدعم المقاومة. وينبغي أن لا ننسى أن حزب البعث هو من الأحزاب التاريخية في سوريا وله انتشار واسع. نحن في هيئة التنسيق وفي حركة معاً تحديداً لطالما طالبنا بحرية التظاهر السلمي للمعارضين والمؤيدين من أجل كشف حقيقة موازين القوى على الأرض، لكن النظام كان يرفض باستمرار، وخصوصاً بعدما شاهد كيف خرجت التظاهرات المعارضة في حماه وحمص ودير الزور ودرعا وغيرها من المحافظات، فأخافه المشهد وجعله يفقد ثقته بحقيقة وجدية جمهوره في الشارع.

النظام ليس وشيك السقوط وعلى الأرجح سوف تطول الأزمة

* هل اقتربت نهاية النظام أم أن واقع الأمور يقول بطول الفترة الزمنية للخروج من الأزمة؟
– النظام ليس وشيك السقوط، وعلى الأرجح سوف تطول الأزمة وهذا يشكل خطراً حقيقياً على سوريا. المشكلة تكمن في تعنت النظام وتفضيله لمصالحه الخاصة على مصالح الشعب السوري. التغيير قادم لا محالة وكلما وعي  النظام ومسؤولوه حتمية ذلك، كلما ساعد في التقليل من آلام المخاض.
* هل تعتقدون بضرورة أن يقوم حزب البعث بمراجعة نقديّة لمسيرته، وإعادة تعريف لنفسه في السياق السوري الحالي والمستقبلي؟
– حزب البعث هو من الأحزاب التاريخية في سوريا وترك بصماته على جميع مناحي الحياة، وحقق نجاحات كثيرة، لكنه أيضاً المسؤول عن اخفاقات كثيرة. لم يستطع حزب البعث كغيره من أحزاب مرحلة التحرر الوطني التحول إلى حزب ديموقراطي، وقدم من خلال وجوده في السلطة في كل من العراق وسوريا نموذجين من أبشع نماذج الاستبداد في العالم. تفيد التجارب التاريخية أنه من الصعوبة بمكان أن يتحول أي حزب غير ديموقراطي من خلال السلطة إلى حزب ديموقراطي، في حين يسارع إليها بعد أن يفقد السلطة. لذلك أرى أنه بقدر ما يسرع حزب البعث إلى مغادرة السلطة بقدر ما يكون ذلك مفيداً له ولسوريا وشعبها. خارج السلطة عليه بالتأكيد أن يقوم بمراجعة شاملة لسياساته ولبنيته ولعلاقاته وان ينتقدها، بما يسمح له بتعريف نفسه من جديد إنما من الحقل السياسي الديموقراطي، هذا إذا أراد أن يستمر في المستقبل كحزب سياسي، وليس كنوع من الأخويات الأيديولوجية المنغلقة.
* على الرغم من التشابه، النسبي، في الأوضاع المستعصية التي تتشاركها المجتمعات العربيّة، إلاّ أن الربيع العربي قدّم سيناريوهات عدّة لمشاريع الخروج من تلك الأوضاع، ما هو تقديرك وتصوّرك للسيناريو الخاص بالحالة السوريّة؟
– بعيداً عن المفاجآت غير المحسوبة وهي كثيرة، فإنني أرى أن الحل في سوريا هو حل تفاوضي، وهذا ما تعمل عليه الجامعة العربية وأطراف دولية كثيرة. المقصود بالحل التفاوضي ليس حلاً وسطياً بين النظام الاستبداد القائم والنظام الديموقراطي المنشود، بل حلا يبدأ بالتفاهم على متطلبات المرحلة الانتقالية التي لا بد أن يشارك فيها من يمثل النظام، وذلك من اجل الإعداد للمرحلة الديموقراطية.

لا خوف على مستقبل العلاقة بين حزب الله كحزب مقاوم

* كيف تنظر إلى موقف مؤيدي النظام السوري في لبنان؟ وفي حال حدوث التغيير في سوريا ما تصوّرك لعلاقتها مع المقاومة اللبنانية حزب الله؟
– الشعب السوري هو شعب وطني عزيز وشامخ، العروبة تجري في دمائه، لذلك فهو لن يكون إلا مع قضايا العرب وفي القلب منها قضية فلسطين، ومع كل الجهود التي تعمل في سبيلها وفي مقدمتها المقاومات العربية في لبنان وفلسطين وغيرها من الساحات العربية. لقد احتضن الشعب السوري المقاومة اللبنانية بكل جوارحه، حتى صارت حاضرة في كل مناحي حياته، وليس سهلا انتزاعها منه. بطبيعة الحال هذا لا يعني أن العلاقة مع حزب الله ومع القوى اللبنانية الأخرى الحليفة مع النظام السوري لم تتأثر نتيجة وقوفها المعلن إلى جانب النظام ودعمها له. بالنسبة لي كسياسي أستطيع تفهم حراجة موقف حزب الله، مع ذلك كان من المفيد في الحد الأدنى تقديم النصح للنظام، بل توجيه بعض النقد لسياسات النظام القمعية. النظام السوري إلى زوال ويبقى الشعب، ولا تزال الفرصة سانحة لإعلان بعض التأييد أو التفهم لمطالب الشعب السوري المحقة، والعمل مع إيران للضغط على النظام لإيقاف الحل الأمني والقبول بمبادرة جامعة الدول العربية. لا خوف على مستقبل العلاقة بين حزب الله كحزب مقاوم في وجه إسرائيل ولا على المقاومة الفلسطينية من التغيرات القادمة في سوريا، فالقضية قضية شعب وليست قضية نظام أو سياسيين.