- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

حب افتراضي

بقلم زينب مصطفى

أوقفت يوماً فجأة أمام مرآتك ورأيت نفسك بهيئة أخرى، لا بل انقى، أصفى أغلى، أطيب، أحلى وأجمل. هيئة خالية من عيوب و شوائب وتشوهات؟.
أرأيت قلبك يخفق سمفونية جديدة تنحني أمامها جميع المعزوفات وتركع لها الموسيقى وتسجد لها الأحاسيس؟؟
إعلم أن قلبك وعقلك تشابكا في كلمة تجمع أسمى حروف الأبجدية وأزهى القوافي الشعرية وأرقى المراتب القدسية، فالشخص الذي في المرآة هو الحقل المعجمي العائد للمشجون بالحب.
الحب نظام كوني يغمر الدنيا بفصل واحد يشبه الربيع لا موت فيه دائم التجدد والاستمرارية.
حبل متين يربط روحين ويشد عقلين ويعلّق قلبين.
يعبر بسحره فوق معجزات الحياة،
ملاكاً يركض في حقول بين زهور لا مثيل لها..
يشتم عبق عطور لا يراها سوى الحائر في كلم الحب،
يرسم لوحات العشق بلغة قدموس،
ولا ينفذ حبره الا بأسطر الهوى…
معشوقته على باب الدار تترقب سفيره الذي يحمل اليها الرسالة،
تراها وكأنها قد ملكت الدنيا وراحت تدمن كلامها وتتشبع غمره المجنون في تدشين وتدسيم العبارات القاتلة،
تلك الحقبة التي كان للحب مذاق السم في العسل والموت في الحياة..
كي لا تراه عيون الناس يختبئ ومحبوبته بين سنابل القمح والدحانين،
حقبة الزمن الوردي الذي يضفي رونقاً يعجز وصفه في الحب،
يسمو فيكون نديم القمر كوكب الرومانسية الحقيقة وليس جليس الأقمار الاصطناعية.
في عصرنا اصبح الحب كلمة وتمرّ..
تراه من شدّة الملل قد ضاع في أزقة الحاسوب داخل» الإنترنت»،
يبحث عن سترة جديد أو حذاء جديد فيعجبه متجر الفيسبوك الشهير بأنواع الملبوسات،
يحتار الاختيار،
ختيار الثمينة منها أم الجميلة؟ أم الرخيصة أم القماش الحساس الذي إذا غُسِل لمرة واحدة تلف؟!
بعد الاختيار تراه يصور ملابسه ويعرضها للبيع في البالية وأسفاه،
أو تراه يتسكع في زوايا المتجر يبحث في «الفيفوريت» عن قميص مميز ليكون حديث البلد و يسألونه «واتسب»؟
وبمجرد أن مل الاتصال لاحقاً يوصي أمّه لتشتري له ما يعجبها من السوق..
قليلون من عابدي الإنترنت ما ينجحون في الحب،
لأن العالم الافتراضي يطغى على المحسوس
في الماضي كانت الأنانية و الغيرة شيء يُقدّس،
أما الآن اصبح دليل للشك والظن والرجعية و النقص،
وكان الحب يخلد في شخصين للأبد.
أما الأن فما إن تركها حتى تعرف على صديقتها والعكس صحيح..
الحب حدث فطري ينبت من ذات الذات،
فلا اختيار فيه لأنه مفاجئ.
الشخص المادي يحب ثراء الآخر،
والشخص الشهواني يحب جمال الآخر،
والشخص العاطفي يعجب الشخص الحساس،
أما الحب الحقيقي هو حب من دون مقابل كبساط قيس وجميل في عشقهما وسقمهما بالعشق لمعشوقتيهما…
ليت هذا الحب يعود و يتعثر،
الحب في زمن النت مصاب بفيروس قابل لـ «الفرمتة»،
وان كنت من المعجبين بالحب على الطريقة القديمة،
وأكاد احسد العشاق القدماء على مغامراتهم،
وأتوق لأن اعيش هذه التجربة،
لكنني أيضاً اشكر التكنولوجيا اذ وفرت علينا امكانية التواصل مع من نحب مهما بعدت بيننا المسافات، خاصة وان هذه التكنولوجيا جنبت العشاق الكثير من مواقف الخوف والرعب وبات الحب أقل خطرا ً،
فلتحيا التكنولوجيا في تعبيرنا عن حب أسلافنا.