- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

اختراق الثورات لتشويه صورتها

معمر عطوي
هل اختراق الثورات العربية من دول وأجهزة ومنظّمات يخدم برنامج الربيع العربي أم انه يُسئ الى صورته فيشوه ويقتل الثورات في مهدها؟ سؤال مشروع طرحه في ظل ما نشهده من تدخلات مباشرة وغير مباشرة في عمل هذه الثورة أو برنامج تلك الثورة أو حتى في وضع شعارات ثورة ما بما يتلائم مع صورة ارتهانية مشوهة لظاهرة في الأصل صادقة نبعت من نبض الناس وحاجاتهم وطموحاتهم فأضحت بمظهر أداة تآمرية ضد الأمة والمقاومة ووحدة البلد وما الى ذلك.
خير دليل على هذا التدخل الفاضح ما قام به سياسيون أميركيون وغربيون وشخصيات اسرائيلية او داعمة لاسرائيل، من تونس مروراً بليبيا ومصر وصولاً الى سوريا واليمن. تدخلات كانت تتمرأى أحياناً في مشاركات دبلوماسية غربية في تظاهرات احتجاج وتشييع قتلى وزيارات لبيوت كوادر للمعارضة، كما حدث في سوريا، أو من خلال تنسيق ميداني وعملياتي كما حدث في ليبيا أو عبر لقاءات منتظمة مع مسؤولي السلطات المنطلقة من الشارع، كما في تونس ومصر واليمن.
وقد تكون التدخلات ذات منحى تحريضي من منطلق ايحائي طائفي (حتى لو كانت لم تستخدم هذا العنوان)، على غرار تدخل وسائل اعلام ايران وحزب الله اللبناني في قضية البحرين، التي بدأت قضية محقّة على علاقة بمطالب تتناول حقوق الشعب البحريني بغض النظر عن مذاهبه، وانتهت مع التدخلات الفاضحة لهذا الاعلام النمطي بصورة مشوهة حوّلت الثورة المطلبية المُحقّة الى مشروع فارسي شيعي لتقسيم البلدان العربية. مع العلم أن القيمين على ثورة البحرين ليسوا في هذا الوارد أبداً، حتى إنهم لا يطالبون بإسقاط الملك انما يدعون الى قيام ملكية دستورية واصلاحات تضمن ممارسة جميع المواطنين لواجباتهم الوطنية وحصولهم على حقوقهم بدرجات متساوية.
هذا التشويه عززته النظرة الآحادية الجانب أو الأزدواجية في الخطاب تجاه قضية البحرين وقضية سوريا، ففي حين كان الاعلام المذكور يحرّض البحرينيين على التظاهر ويطرح مظلوميتهم من قبل حكام الخليج قاطبة كان الإعلام نفسه يتهم الثوار السوريين بخلق مؤامرة للقضاء على نظام يطرح نفسه كعنوان للممانعة والمقاومة ويقتل شعبه يومياً تحت هذا الشعار.
في الشق الأول من التدخل الذي تقوده الولايات المتحدة وبعض الدول والمنظمات والشخصيات الأمنية الغربية، لا يصح هنا المثل «من الحب ما قتل» انما يصح القول ان هؤلاء يحرجون الثورات ليخرجوها ويشوهون صورتها باظهارها كأنها تتبع جدول عمل خارجي ضد الأمة ووحدتها وقوى المقاومة فيها.
اما في الشق الثاني فينطبق على هذه الحالة، المثل «من الحب ما قتل»، أي الدفاع عن الثورة من منطلق الحب المذهبي وبالتالي قتلها من دون سابق تصور وتصميم، انما بسبب قصر النظر والعمى السياسي الناتج عن أفيون الطائفية.
هذه الرؤية يمكن رصدها في الجانب الآخر من الاسلام السياسي السني الذين ينظرون الى ثورة البحرين كحالة مذهبية هدفها تشتيت العرب ومحاربة أهل السنة، بينما يرون في ثورة سوريا حركة مطلبية محقّة.
وفي الواقع إن هذه الثورات التي انطلقت من وحي دماء الشهيد محمد البوعزيزي في تونس وتواصلت مع عشرات ومئات الشهداء في مصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين والسعودية والكويت والأردن، ما هي سوى نتاج طبيعي لحالة اختناق تفجرت حين وجدت الفرصة مناسبة بعيداً عن اي أدلجة أو تحكم عن بعد كما كان يحدث في الانقلابات العسكرية أو الانتفاضات التي تقودها جهات سياسية معينة. لذلك من الطبيعي ان تأتي فئة اسلامية هنا أو هناك وتحصل على الأكثرية التي تجعلها مهيمنة فتقطف ثماراً لم تزرعها بفعل اللعبة الديموقراطية. وهذا حصل سابقاً في الثورة الايرانية التي كان وقودها من حزب تودة الشيوعي فأضحت ثورة اسلامية شيعية خالصة. فالثورات بطبيعة الحال تأكل أبناءها، الا أن الديموقراطية هنا تجعلنا نعترف بالنتيجة مهما كانت طبيعتها حتى لو كانت احياناً ليست مطابقة لشعار الثورات الاساسي «خبز – حرية – كرامة» وتحولت الى شعارات دينية. في أي حال ثمة العديد من المآخذ التي يمكن تسجيلها على قيادات هذه الثورة او تلك، أو على طبيعة الاختراقات التي تسئ الى صورة الثورات لكن ما يهم المواطن العربي هو أن قطار التغيير انطلق فليحاول الاستفادة من محطاته التي لن يتكرر الوقوف عندها، وبالنتيجة فلينتخب الشعب من يريد ولتأخذ الديموقراطية شكلها الحقيقي بعد سنوات الخوف العجاف، فعملية التغيير التي تأتي بعد عقود من الظلم ستحتاج الى عقود حتى تتبلور بصورتها التي تتلائم مع شعاراتها.