- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

معركة انتخاب مدير عام منظمة اليونسكو من منظار مواطن لبناني

معروف السعيد*

انطلقت في مارس|آذار ٢٠١٣ حملة انتخابية فريدة بنوعها بعيدة عن انظار الرأي العام العربي, لا تحتاج سوى الى اصوات ٥٨ شخصا. انها الحملة من اجل انتخاب مدير عام منظمة اليونسكو في اكتوبر|تشرين الاول ٢٠١٣. وعلى خلاف الحملة السابقة التي تنافس فيها ثمانية مرشحين لا يتنافس هذه المرة الا ثلاثة  , منهم المديرة العامة الحالية ومرشحين قادمين من المنطقة العربية. نعلم ان قضايا التربية والعلم والثقافة تتجاوز الى حد بعيد القضايا والخلافات السياسية التي تشهدها الساحة العربية, وانه لامجال لتوظيف الشعارات الدينية والسياسية والقومية في هذه الحملة. لكن هذا المقال الذي ليس بمقال علمي ولا اكاديمي يطرح تساؤلات مواطن لبناني يحاول ان يقرأ هذا الحدث من منظار هويته العربية واعتراه الغموض كلما تزعزع الاجماع العربي, وكذلك من منظار موقعه كمسلم منفتح على الثقافات المتعددة جاب الدول الاوربية واختبر مأساة الصور النمطية ولا يعلم لماذا لن يرضى العالم يوما بمسلم على رأس منظمة دولية مرموقة, وكذلك من موقعه كمشاهد الم بمعرفة جزئية غير مباشرة بالمرشحين من دون ان  تكتمل, لكنه ظل بعيدا عنهم وهم براء منه ومما يقول حيث ما من احد منهم يوظف المشاعر الدينية  او القومية في استحقاق اعظم من ان يختزل في صراع بن العقائد. ونشهد ذلك عندما نجد ان مكافحة الامية لا دين لها ولا قومية وهي هدف انساني

وآثرنا الدخول في جدال حاد من زاوية مسألة موقع الوطن العربي  من الحوار الكوني بين الحضارات و الذي قد تنتهجه منظمة اليونسكو وذلك الى ان   تستطيع تحليلات لاحقة اكثر دقة ان تكشف عما كان صاحب هذا المقال يجهله او ان تعيد النظر الى ما كان راسخا في قناعته.

دوافع اهتمام النخبة السياسية العربية بانتخابات المدير العام لليونسكو

ثلاثة اركان تجعل الوطن العربي بحاجة الى ان يلعب دورا اساسيا في منظمة اليونسكو وهي العلم والتعليم والثقافة. ففي ميدان التعليم العالي يتخرج من الجامعات المصرية اكثر من ٢٥٠ الف طالب بمستوى الدراسات العليا سنويا. كذلك اولت دول مثل تونس والاردن ميزانية التعليم والتربية مكانة خاصة في اجمالي النفقات العامة, ناهيكم عن دول الخليج التي اضحت لا تدخر جهدا في هذا المجال. لكن الاصلاح الهيكلي لم يكن سوى وليد الالفية الثالثة ويظل العديد من الانظمة التربوية بحاجة الى دعم الخبراء الدوليين والمنظمات الدولية حيث لاتكفي توصيات البنك الدولي وحيث ينتظر الكثير من منظمة اليونسكو. كذلك شهد الوطن العربي ازديادا كميا ملحوظا لحجم الابحاث العلمية , ولا سيما في ميدان العلوم الانسانية والاجتماعية. لكنه ينقصه مستوى مماثل من الاعتراف الدولي , حيث ظل العديد من الجامعيين الغربيين يتجاهلون انتاج نظرائهم من العرب مهما كان مستوى انتاجهم الفكري.  واخيرا ليس آخرا يحتاج الوطن العربي الى المشاركة في صنع مكونات الثقافة المعولمة الجديدة والا يكتفي باستهلاكها بل بتحمل تبعاتها. ومن اهم واخطر الاطر الثقافية التي صنعت في الخارج وتحملت المجتمعات العربية اعباءها , تلك المرتبطة بفكرة صدام الحضارات مع ما انتجت من صور نمطية شوهت صورة العرب والمسلمين, حتى ان استطلاع ٢٠٠٦ الذي قام به «بيو غلوبال بروجكت» بين انه في مجتمع مثل اليابان بلغت نسبة اليابانيين الذين ينظرون نظرة سلبية الى الدين الاسلامي اكثر من ٨٠بالمائة.

كل هذه العوامل جعلت النخبة العربية تتطلع الى لعب دور اساسي في المنظمة الدولية التي تنسق امور العلم والتربية والثقافة حتى لا يظل الوطن العربي شاهدا متفرجا على مأساته. فكان ترشيح الحكومة المصرية لوزيرالثقافة فاروق حسني لمنصب المدير العام لليونسكو عام ٢٠٠٩.  والغني عن الذكر ان هذا الاخير كان يتمتع بالمستوى الثقافي وبالخبرة السياسية والادارية التي اكسبته ثقة الشركاء العرب ثم الافارقة ثم بعض الدول الاوروبية مثل فرنسا. لكن الثقافة السياسية السائدة عالميا هي التي جعلته غير مقبول من نخبة من المفكرين في اوروبا والولايات المتحدة ثم من حكومات اوربية ومن الدبلوماسية الامريكية. ذلك ان تنديده بسياسة اسرائيل وبالانتهاكات التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني فسرت انها تعبير عن لاسامية عنصرية .

لذلك اصر الوطن العربي على استرداد الكرة عام ٢٠١٣ من خلال ترشيح السفير رشاد فرح الذي لا يأتي هذه المرة من قلب المنطقة بل من طرفها, لكن من طرف استراتيجي هو جيبوتي الذي يشكل همزة وصل بين الخليج والشرق الافريقي وبين الوطن العربي وافريقيا بصورة اعم. وهو عربي و افريقي , مسلم وحداثي التطلع, عربي وفرنكوفوني, لكنه جعل من اشكالية التنمية في الجنوب وخاصة في افريقيا قضيته الاساسية . وهو الدبلوماسي ذي الخبرة الواسعة والقديمة في عالم الدبلوماسية ولاسيما داخل منظمة اليونسكو حيث مكث فيها ما يقارب العقد الكامل. واعقبها ترشيح رئاسة الجمهورية في لبنان للعميد جوزيف مايلا الذي شغل خلال فترة طويلة منصب عميد الجامعة الكاثوليكية في باريس واهتم كثيرا بقضية مسيحيي الشرق ولبنان, وذلك بعد ان غاب الاجماع في مجلس الوزراء على اسمين مرموقين لشخصيتين من ارقاها فكرا في البلاد وهما غسان سلامة وجورج قرم. وبوجه كل من المرشحين الجديدين المديرة الراهنة ايرينا بوكوفا والتي ادارت المنظمة في ظروف صعبة للغاية وحاولت التصدي لمسألة سحب الولايات المتحدة لحصتها التي تشكل اكثر من ٢٢٪ من ميزانيتها والتي تحظى بتأييد بغالبية الدول الكبرى وجزء ممهم من دول الاتحاد السوفياتي السابق.

ان النظرة المختزلة والنمطية الى المنافسة وكأنها تقع بين دولتين تخفي حقيقة ان مدير عام منظمة اليونسكو لايمثل دولته بل المنظمة باكملها ولا يعكس توجه بلاده السياسي بل يتأثر بقناعاته وبثقافته السياسية الخاصة, بل وبثقافة محيطه من المعاونين وفي الوقت نفسه بتركيبة البنية الادارية كما ورثها. لهذا السبب تبقى المقارنة بين موقع لبنان وموقع جيبوتي بلا جدوى , وكذلك لا تنفع مقارنة انظمة الحكم في البلدين الخ..

في شروط بناء ثقافة السلام في مواجهة ثقافة صدام الحضارات

.اما السؤال الاساسي فهو الآتي  ما سيكون اثر صعود هذا المرشح اوذاك على الوطن العربي؟ لن يخشى على المجتمع العربي من الفروقات في تنفيذ مشروع التعليم للجميع الذي انطلقت فكرته منذ اكثر من عقدين على سبيل المثال. لكن ثمة باب آخر لابد من النظر اليه وان لم يعد كونه احد ابواب البرنامج المتنوع للمنظمة.

ان احد اهداف المنظمة يقضي بنشر ثقافة السلام . واهمية ثقافة السلام  محورية في درء خطر الحروب ان اثبت ان الحرب لا تنبع فقط عن الحسابات العقلانية لاهل القرار السياسي , وانما تتطلب تعبئة سياسية تشمل التوجيه الايديولوجي  والتهيئة الاجتماعية والنفسية. من هنا تلعب الاطر الثقافية دورا اساسيا لانها هي التي تبني صورة الذات والآخر والصورة النمطية للمصالح والمخاطر التي يواجهها مجتمع ما.

وهنا تبين امر اساسي : ان عالم ما بعد الحرب الباردة  شهد صعودا لعقيدة شكلت هي نفسها عائقا امام السلام العالمي وهي عقيدة صدام الحضارات التي طرحها صاموئيل هنتنغتن عام ١٩٩٣ والتي كادت ان تظل على هامش القرار السياسي الامريكي لولا صعود اليمين المسيحي الامريكي منذ انتصار الجمهوريين في الانتخابات التشريعية عام ١٩٩٤ وحتى هيمنة التحالف المسيحي الامريكي على القرار السياسي اثناء ولايتي الرئيس جورج ولكر بوش. وغني عن الذكر ان الفترة اللاحقة لسبتمبر|ايلول ٢٠٠١ شهدت صعودا لهذه العقيدة التي سرعان ما اختزلت في شكلها الثنائي بعد ان كانت عقيدة هنتنغتن تعترف بتعدد اطراف لعبة الصدام العالمي الجديد. وقد اختزل الراعي بات روبرتسن مؤسس التحالف الساحة العالمية بانها محط للصراع بين الحضارة الغربية المسيحية والهمجية الاسلامية, وان هذه الحرب لا هوادة لن تنتهي الا بهزيمة العالم الاسلامي. ثم ان القارة الاوربية شهدت صعود التيارات اليمينية المتشددة التي ترفعت عن طروحاتها العرقية واللاسامية من اجل التركيز على “خطر المد الاسلامي”. ومن شهد تطور العقائد المتطرفة وصعودها في الهند وآسيا الجنوبية الشرقية (بورما) وروسيا الخ وجد ان العالم الاسلامي اصبح عدوا يسهل رسمه بالاستناد الى الصور النمطية المعولمة التي ساهم في صناعتها الاعلام المعولم والانتاج الفني والثقافي والادبي.

ثم تبين ان عددا من الاستطلاعات كشف ان معدل الرؤية السلبية الى الاسلام والمسلمين هو اكثر ارتفاعا حيث لا توجد اقليات مسلمة مندمجة في المجتمع. كذلك يؤدي هذا الوضع العالمي الى ردات فعل تتمثل في صعود تيارات متشددة داخل العالم الاسلامي ترسم بدورها صورا نمطية سلبية للحضارة الغربية, مما يؤدي الى حلقة مفرغة لا يمكن تجاوزها الا…

الا اذا لعبت المنظمات المحلية والاقليمية والدولية دورا حاسما في تفكيكها. وتلعب منظمة اليونسكو دورا اساسيا في تحقيق هذا الهدف وفي المساهمة في اعادة تكوين صورة الآخر بحيث تكون اقرب الى الواقع , بل الى جوهر الحضارات والاديان التي يباعد الجهل والاختزال فيما بينها. وقد طورت منظمة اليونسكو برنامج حوار الحضارات حتى انها خصصت لها منصبا خاصا في الوسط الاكاديمي وحاولت ترجمته في كتب التدريس. لكن الميزانية المخصصة لهذا الهدف آخذة في التآكل.

واذ يجهر كافة المرشحين بنيتهم في السير في ركاب حوار الحضارات والاديان سيتمثل الخلاف في النظرة اليه  من خلال الاساس الذي سينبني عليه ادخال وادماج العالمين العربي والاسلامي في ديناميكية هذا الحوار الكوني.

وحيث لانعلم الكثير مما يبطنه هذا اوذاك من المرشحين بل نكتفي بالاستنتاج ما تيسر. وبعد قراءة متأنية للمقالات الحديثة نطرح مجموعة من الاسئلة عسى المستقبل يوضح لنا الامر.

فهل يطغى الطرح القائل بحوار الحضارات والاديان بشرط ان يثبت المسلمون انهم معتدلون وانهم قادرون على التنازل للاقليات المسيحية بكافة مطالبها, فيوضعون في قفص الاتهام حتى تثبت براءتهم ؟ ام ان الراجح سيكون الطرح القائل ان الاسلام في جوهره  كما هو شأن المعتقدات الدينية المعروفة , متفق مع الثوابت الانسانية وحقوق الانسان  وان المطلوب هو التخلي عن الصور النمطية للآخر وعن ايديولوجيات العداء والخوف من اجل الاتفاق على قيم انسانية جامعة؟

وعلى صعيد آخر هل انه سينظر الى مطلب الوحدة العربية  على انه مرفوض وان البديل هو الهوية القطرية -= لبنان اللبناني, ام ترجح كفة الطرح الذي يعترف للمجتمع العربي بحقه في وحدة المصير وصولا الى الوحدة السياسية التي كان يطمح اليها منذ بداية القرن الماضي  ان توجه بنفسه في هذا الاتجاه ؟

* أستاذ جامعي من لبنان

المقالة تعبر عن رأي الكاتب ر«برس نت» مستعدة لنشر كل تعليق يؤيد أو ينتقد هذا الرأي