نجاة شرف الدين
على الرغم من مرور أكثر من سنتين على بداية الأحداث في سوريا ، وعلى الرغم من إنخراط أطراف لبنانيين في الحرب الدائرة هناك ، وعلى الرغم من وجود قرار دولي وإقليمي بتجنيب لبنان إنتقال هذه الحرب الى الداخل اللبناني حتى ولو حصلت بعض الخروقات من خلال توترات وأحداث متنقلة بين المناطق إنما دون الوصول الى مرحلة الإنفجار الكبير ، إلا أن ملامح مرحلة جديدة بدأت ترتسم في البلد سيكون من الصعب بعدها القول إن ما سبق الإنفجار الإرهابي في الرويس في الضاحية الجنوبية لبيروت ، سيكون كما قبله .
ربما توقع البعض حصول حوادث نتيجة التهديدات التي حصلت من بعض أطراف المعارضة السورية ردا على مشاركة حزب الله في معركة القصير واستمراره في القتال الى جانب النظام في سوريا ، إلا أن حجم الإنفجار الذي حصل في الرويس وما تبعه من مواقف سياسية ، لا سيما الكلام الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وإتهم فيه الجماعات التكفيرية بالوقوف خلف التفجير ، متوعدا بالاقتصاص من القتلة ومضاعفة أعداد مقاتلي الحزب في سوريا لمواجهة التكفيريين مشيراً إلى ضرورة “ان نكون حاضرين لمواجهة الآتي معتبرا ما حصل حلقة في هذه المواجهة الطويلة” . هذا الخطاب المتشدد فتح أبواب المواجهة ولكن هذه المرة على الأرض اللبنانية ، بعدما حاول في السابق أن يدعو أخصامه الى القتال على الأرض السورية وتحييد الساحة الداخلية اللبنانية .
إنتقال الحرب السورية الى الداخل اللبناني رغم حصرها بالعدو ” التكفيري وأدواته ” ، ومحاولة تهدئة الجمهور المصاب وتدارك خطورة الإنجرار الى الفتنة المذهبية عندما قال نصر الله : ” ما نخشى منه ايها الناس هو جركم الى ردات فعل غير محسوبة تؤدي الى الفتنة المذهبية وخراب البلد”، مشيراً إلى انه “عندما تصدر الاسماء سيكونون من ابناء الطائفة السنية الكريمة وسيأتي من يقول ان السنة هم من قصفوا الضاحية وارسلوا السيارات المفخخة الى الضاحية”، مشددا على ان “كل من يتكلم بهذا المنطق اسرائيلي وشريك في القتل”، مؤكداً ان هؤلاء “لا وطن لهم ولا دين لهم وهم ليسوا سنّة، هؤلاء قتلوا من السنة اكثر مما قتلوا من الشيعة، هناك البعض يسعى ليحصل قتال بين المخيمات واللبنانيين، والقتلة مجموعة من الارهابيين واصحاب مشروع تدميري في كل المنطقة وليس فقط في لبنان” . ولم يتأخر الرد المتشدد أيضا من الرئيس سعد الحريري، معتبراً أن ما حصل في الرويس جريمة بشعة لكن “حرب حزب الله في سوريا” جريمة أيضاً.
وقال الحريري، عبر حسابه على “تويتر”، إنه وجد في بداية خطاب نصرالله “كلاماً موزوناً، ثم كانت الكارثة في نهايته”، مضيفاً أنه “كيف يمكن لرجل مسؤول أن يناقض نفسه بهذا الشكل وينتقل من الدعوة إلى ضبط النفس إلى إعلان استعداده الذهاب إلى سوريا شخصياً ” .
وأوضح الحريري أنه “إذا كان حزب الله يريد محاربة التكفيريين عليه أن يتشاور مع سائر اللبنانيين وأن لا يفتح على حسابه حرباً لمصلحة الأسد”، مضيفاً أن “هذا المنطق لحزب الله يذكرني بالمنطق الأميركي لغزو العراق بحجة سلاح الدمار الشامل”.
التصعيد في المواقف السياسية على خلفية الحرب في سوريا ، أضيف اليه تحذير من “الائتلاف الوطني السوري” المعارض، من دخول لبنان في “دوامة من العنف” في حال استمرار “حزب الله” في قتاله إلى جانب الجيش السوري، سيؤدي الى مزيد من المواجهة والعنف في لبنان وهو ما فسره الإئتلاف في بيانه بالقول إنه “سبق وحذرنا مراراً حزب الله من مغبة الاشتراك في قتل السوريين وقمع ثورتهم، لكن أبى إلا أن يتورط في جرائم النظام ويسهم معه في جر المنطقة إلى حالة من الفوضى والدمار”.
دخل لبنان عمليا وعلى أراضيه هذه المرة في حرب سوريا ولو بعنوان ” محاربة الإرهاب” ، ومع غياب الحلول السياسية القريبة واستمرار التباعد السعودي الإيراني كما القرار الدولي الأميركي والروسي من التوافق ، فإن العنوان الأبرز لهذه المرحلة سيكون ” المواجهة ” مع ما تحمله من أكلاف على اللبنانيين ، في ظل حالة الفراغ التي يعيشها ونتيجة إرتهان زعماءه السياسيين للأطراف الإقليمية والدولية ودخولهم في مشاريع أكبر من لبنان ، مما يهدد بانتقال الصراع الى خارج الحدود وأبعد من سوريا . المواجهة المفتوحة هذه ستزيد من حالة الإستنزاف التي يعيشها البلد ، والتي من الصعب أن يخرج منها موحدا .