نجاة شرف الدين
في كل مرة تحصل فيها هزة أمنية على مستوى التفجيرات أو الأحداث أو الإشتباكات أو حتى الإغتيالات ، تبرز الدعوات من مختلف القوى السياسية اللبنانية الى الإلتقاء والحوار والى نبذ الفتنة وجعل فداحة الحدث تنعكس إيجابا على الوضع الداخلي ، وفي كل مرة يفشل الفرقاء السياسيين بالوصول الى قواسم مشتركة فيما بينهم من أجل حماية البلد ولو بالحد الأدنى ، وتبرز مواقف متشددة تتمسك بوضع شروط مسبقة للجلوس الى طاولة واحدة .
هذه المرة وبعد محاولة إحتواء تداعيات متفجرة الرويس ، سارعت القيادات السياسية والدينية مجددا الى الدعوة لإحتواء ردود الفعل بعد متفجرتي طرابلس ، لا سيما بعد الدعوات التي أطلقها البعض هناك من أجل الأمن الذاتي لمنع تكرار ما حصل ، وهو ما كان بدأه حزب الله في الضاحية الجنوبية بعد متفجرة الرويس . هذه الأجواء الخطيرة التي ترافقت مع الأحداث الأمنية وهول الجريمة التي حصلت وحصدت مئات القتلى والجرحى ، جعلت رئيس الجمهورية ميشال سليمان يناشد الجميع لمواجهة الاخطار “التي تهدد الوطن وتستبيح اراقة الدم بلا تمييز بوقفة شجاعة وقرار وطني مسؤول ينأى عن المصالح الخارجية والاقليمية ويأخذ في الاعتبار المصلحة الوطنية الداخلية”. ودعا تبعا لذلك الى “الالتقاء فورا ضمن حكومة جامعة وحول طاولة هيئة الحوار الوطني من دون شروط مسبقة لانجاز هذه الاستحقاقات”. وقال: “لنعمل على تجاوز الاعتبارات الخارجية كلها حتى لا تضيع الفرصة ونخسر السلام والاستقرار”.
دعوة الرئيس سليمان لتجاوز المصالح الخارجية والإقليمية ، كان سبقه إليها رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط الذي قال بعد جريمة طرابلس ولدى سؤاله عن دعوته للقاء الأطراف اللبنانيين وإمكانية أن يكون مسموحا إقليميا ودوليا بالإلتقاء ، رد بانفعال ” فليذهب الإقليمي والدولي الى الجحيم .. ” في إشارة الى مدى إستياءه من الوضع القائم والمقفلة من خلاله كل طرق الحوار الداخلي والمفتوحة في المقابل على كل الإحتمالات بشأن التصعيد الأمني .
أجمع المسؤولون اللبنانيون على إعتبار ما حصل في الرويس وطرابلس ، بأنه يهدف الى خلق فتنة سنية شيعية ، وبالرغم من وضوح الرسالة وفهمها من المعنيين ، إلا أن التحرك على المستوى السياسي والأمني بقي مقتصرا على إجتماع المجلس الأعلى للدفاع الذي رفع جهوزية القوى الأمنية ونوه “بالروح الوطنية التي تجنب لبنان الفتنة بعد الحوادث الأخيرة”. إضافة الى المواقف المستنكرة والمحذرة والداعية الى التلاقي لتلافي المزيد من الدم .
مما لا شك فيه أن ما حدث في طرابلس والذي جاء بعد الرويس ، شكل ليس فقط صدمة على المستوى الإنساني ، وإنما أيضا على مستوى خطورته السياسية والأمنية ، وعلى الرغم من الدعوات العديدة التي أطلقت من أجل اللقاء والحوار لتدارك الأخطر الآتي ، إلا أن كل هذه الدعوات يبدو أنها لن تجد طريقها الى التطبيق في ظل غياب الموافقة الإقليمية والدولية ، لأن الظروف غير ناضجة ، فهل يستطيع اللبنانيون أن يتجاوزوا هذا الراعي الإقليمي والدولي ويلتقوا الى طاولة الحوار ويتجاوزوا الشروط المسبقة نتيجة خطورة الوضع ؟ أم سيكون الجحيم من نصيب اللبنانيين ؟