نقطة على السطر
بسّام الطيارة
ما أن انتهت الحرب الباردة بهزيمة نكراء للكتلة الشيوعية، حتى انتقل الجهد الأميركي نحو «تدجين» الأمم المتحدة ومجلس الأمن وتطويعها كأداة سياسية للهيمنة الأميركية. كان ذلك في عهد رونالد ريغن الذي أطلق سباق «حرب النجوم» فأنهك الاتحاد السوفياتي مالياً وتكنولوجيا ولم يخف البتة عواطفة المعادية للأمم المتحدة وكافة مؤسساتها الدولية، وفي عهده بدأ الحصار المالي الأميركي على المؤسسات الدولية.
وفي عهده أيضاً بدأت انتهاكات الولايات المتحدة للقانون الدولي (غزو غرانادا ١٩٨٢ وقصف ليبيا ١٩٨٦ وتمويل الكونترا في السالفادور) وتتابعت الانتهاكات في عهد خليفته جورج بوش الأب الذي باشر رئاسته بغزو بنما وكان له تفسير موسع لقرار الأمم المتحدة بتحرير الكويت وتكملة عاصفة الصحراء إلى داخل العراق وقتل آلاف الجنود العراقيين أثناء انسحابهم (١٩٩١) وكذلك مع بيل كلينتون الذي هاجم الصومال حسب تفسير خاص لقرار من مجلس الأمن وتدخل ١٩٩٣ في هاييتي لقلب نظام قبل أن يقصف يوغوسلافيا في خرق فاضح لقرار مجلس الأمن (١٩٩٦) وأخيراً بوش الابن الذي غزا العراق من دون أي مستند قانوني عام ٢٠٠٣ بحجة وجود أسلحة دمار شامل لم يكن لها أثراً. باراك حسين أوباما وعد بأن يخرج أميركا من مستنقعات الحروب وأن لا يقحم بلاده في حروب جديدة. مع ذلك شارك في غزو ليبيا في تفسير أيضا موسع لقرار مجلس الأمن الذي رمى إلى الدفاع عن المدنيين ولم يستهدف النظام البتة.
كان العالم متفق على أن سلوبودان ميلوشيفيتش ديكتاتور وكذلك صدام حسين ومن بعده معمر القذافي وتنفس عديدون الصعداء عندما «انهت أميركا العمل» (finishing the job) ولكن هؤلاء لم يلتفتوا إلى النتائج الكارثية التي خلفتها غزوات غير قانونية.
ليس لأننا نريد اليوم التخلص من النظام السوري وجب علينا السكوت على خرق القوانين الدولية.
يمكن ملاحظة نفور الولايات المتحدة من الخضوع للقوانين الدولية يكفي أنها لم توقع على قوانين المحكمة الجنائية الدولية، والأنكى أنها أجبرت كل الدول على توقيع معاهدات ثنائية معها تستثني مواطنيهامن الملاحقة أمام المحاكم الدولية.
يعول عديدون من مؤيدي النظام على روسيا للدفاع عن نظام بشار. لا يرى هؤلاء أن روسيا مثلها مثل كل الدول الحليفة وغير الحليفة يكتفون بتعابير «استنكار» لخرق أميركا للقواني الدولية. استنكار فقط سرعان ما تمحوه الأيام.
تصدت فرنسا لغزو العراق عام ٢٠٠٣ وعادت وسمحت بـ«تبرير قانوني مؤخر» بقرار من مجلس الأمن «قونن» الغزو. فرنسا وبريطانيا دولتان فقدتا الكثير من مقومات الدول العظمى ولكنها تريد أن تلعب دوراً في الملعب إلى جانب «القوة العظمى الواحدة» لذا فهي «تبلع» إهانة التجسس على حكوماتها، وتغض النظر عن «الاستفراد والتكيز الذي يلحق بشركاتها» بشكل مخالف للقوانين الدولية (مناقصة توريد ٢٠٠ طائرة للجيش الأميركي ربحتها إيرباص ٧ مرات و٧ مرات ألغت السلطات الأميركية المناقصة وغيرت الشروط قبل أن تربحها … بوينغ …أخيراً).
تبلع هذه الدول الإهانات والخروقات لأنها لا تريد الاعتراف بأن مواقعها تتراجع في العالم لصالح قوى صاعدة، ولكنها عوضاً عن التمسك بمجلس الأمن الذي يحمي القوى المتوسطة والقوى الصغرى، تساهم بهدم صرح مجلس الأمن بإيجاد تبريرات لخرق قوانينه. إنها تنشر غصن العضوية الدائمة التي تجلس عليها.
مثلها مثل كل الدول التي تقبل بخرق يصيب «جيرانها» لا تنبه إلى أن الخروقات يمكن أن تصيبها.
ما أن تقلع الطائرة التي تقل فريق مفتشي الأمم المتحدة ستنطلق صواريخ توماهوك لتدك مخازن وثكنات في سوريا، بينما ينكب المفتشون على صياغة تقرير لن يقرأه أحد.