باريس – بسّام الطيارة
أوقع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند نفسه في مأزق كبير. فهو كان قد شدد منذ انتخابه، مزايداً على سلفه نيكولا ساركوزي، بأنه لن يدخل في النزاع السوري ما لم يمر تحت قوس الأمم المتحدة.
فجأة قفز في ركاب «الذاهبون إلى الحرب» كما يقال هنا في فرنسا. وكان يتوقع أن يكون الضلع الثالث في «المثلث الغربي» الذي سـ«يعاقب» نظام الأسد. إلا أن رياح الديموقراطية في بريطانيا جرت بعكس ما يشتهي طلاب الحرب من جهة، وها هو الرئيس الأميركي باراك حسين أوباما يتراجع ويعطي نفسه مجالاً للحاق بالركاب الديموقراطي عبر طلب موافقة الكونغرس على «ضربة لسوريا» من جهة أخرى.
أما هولاند فقد تدثر بثوب ديغولي وإن كان فضفاضاً عليه، وقرر أن يتبع تطبيق حرفي للدستور الذي يتيح له شن حرب خارج البلاد من دون موافقة البرلمان «على أن يعلمه بذلك خلال ثلاثة أيام من بدء الصراع» (مادة ٣٥ من الدستور). إلا أن دستور البلاد لا يمنع الرئيس من اللجوء إلى البرلمان لدعم خياره أو حين يكون هناك انقسام بارز في الرأي العام أمام مسألة كبرى.
الأنكى من ذلك أنه سيظهر بصورة معاكسة لمسار «الديموقراطيات الكبرى» بريطانيا والولايات المتحدة حيث مواطني الدولتين الكبيرتين ضغطوا على حكامهم ونجحوا في بريطانيا ولربما يفوزون في بلاد العم سام.
المواطنون الفرنسيون لديهم نفس التوجه إذ أظهرت نتائج استطلاعات الرأي أن معظم الفرنسيين لا يرغبون في مشاركة بلادهم في عمل عسكري ضد سوريا. والأرقام تتكلم:
٦٤ في المئة من المشاركين يعارضون العمل العسكري من حيث المبدأ وضمنهم نجد عدة تبريرات : ٥٨ في المئة لا يثقون بقدرة هولاند على قيادة تلك الحملة. في حين تخشى نسبة ٣٥ في المئة أن يشعل مثل هذا الهجوم منطقة الشرق الاوسط بأسرها. و٣٧ في المئة يخشون أن تكون النتيجة تحول سوريا إلى دولة إسلامية. بينما يعتقد ٢٢ في المئة بأن مثل هذه الضربة لن تغير شيئاً على الأرض من حيث موازين القوى. ويخشى ١٧ في مئة من أن تعود هذه الحملة بهجمات إرهابية على الأراضي الفرنسية، في حين أن ١٨ في المئة يخشون من انتقام سوريا وحلفاءها بمهاجمة مصالح فرنسا حول العالم.
هذه الإقام وحدها يجب أن تكون كفيلة بدفع هولاند لطلب موافقة البرلمان من حيث «روحية الديموقراطية». ولكنه لن يفعل. لقد قبل فقط بأن «يعرض رئيس الوزراء المسألة السورية أمام البرلمان من دون تصويت».
وهنا الخطأ الكبير الذي أوقع هولاند نفسه في ركابه: أولا من حيث التوقيت الذي حدد بعد غد الأربعاء في ٤ أيلول/سبتمبر يسجتمع البرلمان الفرنسي لينصت النواب إلى شرح الحكومة لأسباب الذهاب نحو ضربة، على أساس أن فرنسا تنتظر إشارة من واشنطن.
ولكن الكونغرس لن يجتمع قبل ٩ أيلول/ سبتمبر. وماذا يفعل هولاند في حال رفض الكونغرس إعطاء أوباما الضوء الأخضر؟ هل يقول كما فعل في الحالة البريطانية، إن معارضة الكونغرس للضربة العسكرية لن تؤثر على تحرك فرنسا؟ هل تسمح القدرة العسكرية الفرنسية لباريس بالذهاب منفردة إلى الضربة مسلحة فقط بتصفيق نصف الجامعة العربية؟ لا يغرن أحد الحملة الليبية والحملة المالية. ففي الحالتين اعترفت باريس بأن «الدعم الأميركي كان حاسماً» لإنجاح الحملتين.
إذا لماذا لا يختبئ هولاند وراء البرلمان الفرنسي فيطلب تفويضاً من برلمان فرنسا؟
الجواب يختبئ في طيات السياسة الفرنسية الداخلية وفي تركيبة حكومته. صحيح أن هولاند يتمتع من حيث المبدأ بأكثرية مطلقة في البرلمان إلا أن حكومته تضم «الخضر» وعدد من الحلفاء مثل الراديكاليين وهم يعارضون بشدة كل مغامرة عسكرية. أضف إلى ذلك أن عدداً لا يستهان به من أقطاب حزب الرئيس الاشتراكي لا يوافقون على مبدأ مشاركة الأميركيين في حملة عسكرية. جان بيار شفينمان (وزير الدفاع السابق الذي استقال في عهد ميتران رفضاً لدخول حرب تحرير الكويت) يصف الحرب القائمة في سوريا «بأنها حرب دينية لا يجب المشاركة بها» ولتياره وزيرين في الحكومة. وكذلك الأمر بالنسبة ليسار الحزب الممثل بعدد من الوزراء البارزين.
من هنا تخوف هولاند من طرح مبدأ المشاركة على البرلمان، إذ أنها مخاطرة بانفراط عقد أكثريته أي تفكك تلك الأكثرية وبالتالي أن يضطر لتغيير حكومي وهو على أبواب انتخابات بلدية بعد أشهر، كرمى لعيون اللوبي الذي يضغط لضرب سوريا ومعاقبة الأسد.