- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الثورة السورية… ونون النسوة

رغدة العزيزي ــ دمشق
“حين يكون الوقت وقت أزمة وحرب ومجاعة، يكون الزمان زمان امرأة. فهي تتقدم الصفوف لتنقذ البشرية”. هنا تكمن المرأة حسب الكاتب فلوبر، لذا وُجدت النساء السوريات بين رجالهن يهتفن ويداوين ويكتبن في سبيل إنجاح ثورتهن في إسقاط النظام السوري.
ولا يزل يوم 15 اذار/ مارس يشهد مشاركة المرأة السورية في سوق الحميدية، كما قادت في اليوم التالي الوقفة الاحتجاجية أمام مبنى وزارة الداخلية للمطالبة بالأفراج عن المعتقلين. إلا أننا لا زلنا نشهد حالة من ضعف للعنصر النسائي في ساحات الحراك اذا ما قارناها مع وجود النساء اليمنيات والمصريات في حراكهن.
وفي الكثير من المناطق السورية كانت خطوة الرجال متقدمة على خطواتهن على الرغم من أن نسبة النساء في سوريا تتجاوز 51 % من عدد السكان، إلا أن هذه النسبة ليست ممثلة في الحراك. عزت بعض الناشطات اللواتي يشاركن في الحراك بعيدا عن ساحات التظاهر، إن ما يخيف النساء ليس القتل والبطش والاعتقال بل الاغتصاب الذي شهدته العديد من المناطق المنكوبة في البلاد، الأمر الذي اجبر الكثير من الأهالي إلى الهرب، كما فعل أهل ادلب أثناء اقتحام الجيش والشبيحة للمنطقة. وهناك من أكد قيام الامن بمثل هذه الافعال في درعا إلا أن الاهالي لم يعلنوا عن ذلك لحساسية الأمر، خصوصاً وأن هذه المناطق ذات طبيعة ريفية محافظة، ما أدى الى ضعف في تواجد النساء.
وفي ذات السياق، يقول ناشط في إحد الأحزاب اليسارية: “اذا حاولنا النظر إلى امتداد الثورة جغرافياً، نرى ان المظاهرات تكمن في الريف السوري، ما يجعل حضور النساء ضعيفاً في ساحة الحراك، فهناك طبيعة اجتماعية ضاغطة”.
وعن القهر والتغييب المتراكم لدور المرأة الفاعل في المجتمع والحياة السياسية، تقول الناشطة والصحافية رغدة حسن: “يكمن دور المرأة اليوم في دفعها الكبير لحركة الشارع ووجودها الفاعل في كل الساحات، لأنها لا تثور فقط على نظام مستبد بل تتمرد وتثورعلى إرث وتقاليد متعفنة وضعتها دائما خلف الأحداث، الأمر الذي عمل على تراجع دورها في السابق”.
لا تزال العادات والتقاليد، كما عهدناها، تقيد المرأة لتغيبها عن أي حراك في المجتمع، كما تقول إحدى الناشطات في تنسيقيات الثورة، التي لا تتوارى فقط عن أعين رجال الأمن بل أيضا أعين إخوتها وأبيها: “بقدر ما يخيفني كشف امري لدى السلطات السورية كذلك عند أهلي، خصوصاً إخوتي، رغم أنهم من معارضي النظام السوري، فلم يتقبلوا بعد خروج امرأة بين جموع الرجال تهتف وتنادي بإسقاط النظام، وفي بعض الأحيان أشعر بغيرتهم من قدرات المرأة وقوتها على تحدي جبروت النظام والصراخ بوجهه. فتكون ردة فعلهم عنيفة عند مشاهدة فتاة تخرج للمطالبة بإسقاط النظام، متذرعين بأن هذا الأمر من شأن الرجل وحده، فالمرأة عليها أن تنستر في بيتها وعلى الرجل تدبير امور الدولة”.
أربعون عاما من تكريس للعادات والتقاليد التي تحقق للرجل كما للسلطة مكاسب الهيمنة على نسائنا بمباركة قوانين تعود لبداية القرن العشرين، جعلت النساء في حالة اقصاء عن المشاركة في الحياة العامة والسياسية، وهذه احدى الطرق الممنهجة التي إتبعتها السياسة البعثية في إضعاف للوعي العام للمجتمع السوري. وهذا ما يجعلنا نفهم زيادة غضب المخابرات السورية من تواجد نساء في المظاهرات. فكيف لامرأة تربت على السكوت والقهر والكبت في مجتمعات ذكورية بامتياز، أن تشارك في الاحداث والمتغيرات المصيرية بعيدا هذه المرة عن سطوة الرجل الشرقي وعن تملكه للدور الريادي؟ وان تظهر في ظل القهر الذي تعيشه لتقول نعم للحرية؟
وبذات السياق، يقول الناشط اليساري إن “الثورة ليست حقوقاً سياسية فقط، بل اجتماعية واقتصادية وحراكاً لقلب جذري للعلاقات فيما بينها، لذلك يكون وجود المرأة في الحراك في غاية الاهمية والفاعلية، و في حال استمرار ضعف وجودها في قلب الحراك، سيؤدي ذلك الى اندثار البعد الاجتماعي للثورة، ويحول دون الحصول على حقوق المرأة، ومن الممكن ان تقصى من الترشح لمنصب رئيس جمهورية. لذلك لا يكفي التظاهر بجانب الرجال في الساحات بأعداد قليلة”.
الا ان هناك من الناشطين من يطالب بزيادة عدد النساء في الشارع الثائر، فالهتاف من دون صوت النساء يبقي الثورة ناقصة. “نتمنى ان تزداد مشاركة الفتيات في التظاهر، فوجودهن محفز لنا وداعم، فالرجل عندما يرى فتاة تقهر الدبابات وغطرسة رجال الامن، يدفعه هذا الى التحرك بثبات اكبر ويدفع للمشاركة والالتحاق بالحراك، كون الرجل يخجل امام المرأة التي تظهر شجاعة اكبر من التي لديه”.
النساء اللواتي شاركن في تظاهرات شهدتها قرى ومدن سورية بطريقة مميزة من خلال الهتافات، وصناعة الشعارات والخروج إلى الشوارع بظل القمع والقتل والبطش الذي يقوم به النظام السوري على ي دفرق الموت وكتائبه، ورفعن اللافتات التي كتب عليها المرأة تريد اسقاط النظام، جعل للنساء نصيبا كما الرجال. لقد تعرضت النساء في التظاهرات الاحتجاجية لإطلاق الرصاص الحي الذي أرداهن قتيلات وجريحات، وكلنا يذكر تظاهرة بانياس النسائية التي سقط فيها العديد من الشهيدات والجريحات، وكذلك خروج النساء في شوارع درعا لفك الحصار عنها، وتظاهرة دمشق للنساء الصامتات.
لذلك كان لحسن رأي مخالف: “ليس بالإمكان الفصل بين امرأة ورجل، لأن الواقع المعاش ينعكس سلبا وأيجابا على سلوكياتنا جميعا، وفي “ربيع سوريا”، تسير المرأة الى جانب الرجل، وفي بعض الأمكنة تقود هي دفة الحراك. وهذا أمر يبشر بمستقبل يعد بتمكين المرأة من ولوج عالم القرار السياسي والحكم، ولن يكون هناك دور ريادي إلا للثائر الحقيقي الذي واجه الموت في الشوارع وهذا الاستحقاق للمرأة والرجل معا”.
إذا كان وجود المرأة ضعيفا في ساحات الثورة، فهذا لأنها مقسمة ما بين ساحات القتال وكواليسها، تداوي الجرحى وتخبئ المطلوبين، وتحاول الالتفاف عن أعين المخبرين والشبيحة لتوصل الأدوية ومستلزمات الطبابة الى جرحى النظام ومنشقي جيشه. لذلك فهي موجودة في كل مكان بهذا الحراك. ولن يكون اقصاؤها إلا خسارة للمجتمع، لأنه بذلك تسقط نصف الإنسانية، وبالتالي لا تصبح الثورة إنسانية عادلة بل فاقدة لمبدئها الذي سالت دماء السوريين من اجله.