- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

نعيم تلحوق في “شهوة القيامة”: الشعر بنكهة ألمانية

Unbenannt-Scannen-03معمر عطوي

غزير هو الشاعر نعيم تلحوق في انتاجه الشعري كما هو غزير في طرحه الأفكار والمعلومات حين يحدّثك وجهاً لوجه، لكنه مصرٌّ على متابعة فصول لعبته الشعرية وفق عناوين المذكر والمؤنث “هو وهي”.

الشعر لديه نمط خاص لا ينفصل ديوان عن آخر، كل في سياق واحد وواضح منذ الديوان الأول “قيامة العدم” عام 1986 وحتى الديوان الأخير “شهوة القيامة” الذي صدر هذا الشهر، لكنه هذه المرة بنكهة ألمانية.

وما بينهما  فصل يبدأ فيه عناوين دواوينه بلغة المؤنث وينتهي بلغة المُذكّر؛ إذ يبدأ السياق من “قيامة العدم”، “هي القصيدة الأخير”، “لكن ليس الآن”، “وطن الرماد” و”هو الأخير”، الصورة الأولى التي تمثل المرحلة الأولى من شعره  تشكلت وفق “هي وهو”، بينما تشكلت المرحلة الثانية من “هو وهي” من عناوين خمسة؛ “أظنه وحدي”، “يغني بوحاً”، “يرقص كفراً”، “لأن جسدها” و”شهوة القيامة”.

“إنه استعراض مسرحي تتوافر فيه لغة السؤال الجمالي بأبعاد فلسفية ورمزية ليبقى البحث قائماً عن الصورة والمعنى، لا أن يقف عند مكان”، على ما يقول شاعرنا في مقدمة ديوانه الصادر عن دار الفرات في بيروت هذا العام.

يلفت القاريء الإهداء الذي بدا سوريالياً لا يدرك كنهه إلا صاحبه “إلى مُلهمتي، التي تضجّ بوحشتي، وينفرد ضجيجها بي، كصمت مريب”.

أما مضمون الكتاب هو عبارة عن ثلاث لوحات الأولى “سقوط الشهوة قبل التداعيات” وتضم 14 قصيدة، اللوحة الثانية بعنوان “احتمال الخروج من الأمكنة” وتضم 8 قصائد.

أما اللوحة الثالثة بعنوان “رقص على عرش الكلام فتحتوي على 6 قصائد”.

ما يهمنا هنا اللوحة الثانية التي أخرجت قاريء نعيم تلحوق عن رتابة رؤيته الفلسفية الجمالية التصوفية، الى عالم آخر يتماهى تماماً مع العنوان “احتمال الخروج من الأمكنة”. ففي هذا المشهد الذي يبدأ من برلين وينتهي في بغداد، توق حقيقي لدى الشاعر في مغادرة المكان الذي شكّل على مدى أكثر من ربع قرن هويته ورؤيته التي لا تنفصل عن قصيدته وحياته وفلسفته. لكنه هنا في قصائد متنوعة يبدو مشدوهاً ببلدان جديدة خارج المكان الذي اعتاده، خصوصاً ألمانيا رغم انه زار فرنسا في تلك الفترة ولم تعنيه بشيء. وهذا كان حال رحلته الى الجزائر وتركيا، حيث جفّ قلمه ولم يكتب.

وباستثناء بغداد والبحرين اللتين زارهما الشاعر في العامين الماضيين، فان احتمال الخروج من الأمكنة قد يجد طريقه نحو برلين أو آخن أو بون أو هايدلبرغ أو كولونيا، حيث غرف الشاعر من معين نهر الراين أفكاراً جديدة وتزود بصور شعرية جمالية من خارج حقله، متعاملاً معها كبعد حضاري إنساني جبّار. 

هو معجب بالتجربة الألمانية التي تتجلى في قصائد عديدة كتبها أثناء رحلته الى وريثة الرايخ. ففي قصيدة “شجر النهايات” التي كتبها في برلين يقول تلحوق:

لست كمن يرى:

باب الهزيمة ثقيل على برلين،

شجرها أعلى من أقواس ستالين،

تأتي إليها وتذهب،

وأنت عالق في سردمها،

تتساءل:

كيف تحوّل جنود الكرملين

إلى شجر أخضر،

تتجاوب:

شعب يعرق، كي يصبح السقوط متاعاً…

 

جنود ستالين كتبوا أسماءهم بالمقلوب، على جدار الرايخ،

قالوا “الفوهرر” لّما مات بعد،

خافوا أن يذهبوا ضحية الهوى…

 

أكثر من عناد هناك،

سطرٌ يصف وجه الأرض،

ويعرّج على السماء،

تلحظ أنك ستستقبل أحداً،

أكبر من الموت، وأبهى من الحريّة…

 

يا الله،

كيف ترسم زمنين في آن واحد،

لتتحسّس بدنك؟

يالله، ما أجملك،

يا الله، ما أوقحك!!

أما قصيدته في مدينة بون فيقول فيها:

في “بون”،

إمرأة واحدة تكفي،

لتكتشف سرّ الكون،

فليس على الشعراء بعدها

أن يضيّعوا الحبر،

أو يقتصوا من الورق…

وإذ يبدو على الشاعر الفرح والانطلاق في قصائده التي كتبها في ألمانيا، تتجلى منه ملامح الحزن في قصيدة بغداد التي أسماها “غضب” إذ يقول فيها:

عروبة أسقطتها أحلام الداشرين

خلف المؤمنات،

والمكثرين من الأدعية والموعظات..

لكن باب السماء مغلق لهُيام ثكلى،

أو لطفل انشغلت أمانيه بالمرضعات،

يا سلام… يا سلام…

على بغداد الغضب،

حين امتحنها المعتصم، فنامت بين قضبان الكلام…

عتبٌ عتب…

لقد أسكر الله ملائكته،

وعاد إلى مثواه ونام…