- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

كان يا مكان.. في “لافوليه دي بيرجير”

نصيرة بلامين
وأنا أتصفح جريدة “ديريكت ماتان”  (Direct Matin) الفرنسية بعجالة، بعدما التقطت عدداً في محطة “سان لازار”، استقطب نظري عنوان في ركن “ثقافة الجريدة”: “ألف ليلة وليلة في لافوليه دي بيرجير”، فأثار فضولي وكان أوّل ما قرأت تحت الصورة الملحقة بالمقال هذه الأسطر: “هل تتمكّن شهرزاد من إغراء الملك سليمان عن طريق رواياتها؟”، فقلت لنفسي: “هاه! شهرزاد تعود من جديد إلى واجهة سرد الروايات… لكن مع سلطان آخر فشهريار يتحوّل إلى سليمان”!
وشرد ذهني في التفكير للحظات، وهي لحظات قهرت نفسي بها منذ السّن السّابعة لما عارضت معلّمة الصّف وهي تدرسنا أنّ “القطن يأتي من الصوف”! فصححت لها بأدب قائلةً: “عفواً آنستي، فالقطن نبتة ولا يشتق من الصّوف”، جرأتي هذه كلّفتني عقوبة ضربي بالمسطرة الحديدية أربع ضربات قاسية على أصابعي وإجباري بعدها على كتابة مائة مرة “لا أتكلّم في القسم”! هذه العادة لم أستطع التّخلي عنها، والأمر طبيعي، فالإنسان يختلف عن الحيوان لأنّه يفكّر لكنّ ربّما طرق التّفكير تختلف من شخص لآخر… ومن امرأة لأخرى… ومن رجل لآخر… ومن… ومن…
المهمّ عوّدت نفسي على التّخمين في أشياء تبدو للوهلة الأولى مجرد هرتقات، لكنّ التّخمين في الأشياء التّافهة غالبًا ما يقود أذهاننا إلى دهاليز الاستنارة (ولو أنّ البعض يريد إسبال عليها إزار الغموض لكن لا بأس في ذلك، فالنّور يولد من رحم الظلام والضّباب وربّما لا يولد…). ما أقلقني في قضية “ألف ليلة وليلة” التّي ذكرتها الجريدة الفرنسية  هو شخصية الملك، فشهرزاد التّي لازمت استهلال رواياتها بعبارات: “بلّغني أيّها الملك السّعيد ذو الرّأي الرّشيد”، لن تقولها لـ”شهريار” بل لسلطان آخر يدعى “سليمان”. وهنا قلت لنفسي، هل تمّ استبدال الملك؟ أو استبدال الاسم؟ ثمّ رددت بسذاجة، ربّما يكون الملك هو الآخر اتخذ اسمًا مستعارًا كما هو الحال لبعض مستعملي الفايسبوك وغيرها من الشّبكات الاجتماعية. لكنّ هذا الحلّ لم يقنعني، ثمّ أخذت أقول “هل الملك سليمان في هذه الحلّة الجديدة لألف ليلة وليلة يكون النّبي سليمان الذّي اتخذ ألف امرأة وامرأة؟” ثمّ قلت “لكنّ سليمان لم يكن سفاح نساء كشهريار بل عاشقًا”! إذًا لما تمّ استبدال شخصية الملك؟ ظلّ السّؤال في ذهني عالقًا وأقلقني لحدّ أنّني للحظات طويلة نسيت تواجدي داخل ميترو الأنفاق في محطة “شاتليه” الضخمة … وشرعت في إعادة تصفح الجريدة إلى أن وقع نظري على جريدة “لوباريزيان” (Le Parisien) الفرنسية وكانت ملقاة في مقعد بجانبي وقرأت العنوان التّالي: “نساء ليبيا يخترقن تابوهات الاغتصاب أمام محققيّ المحكمة الجنائية الدّولية”. وها أنا عدت بأدراج ذاكرتي وقلت: “ألا يكون لاستبدال شهريار بسليمان علاقة مع الثّورات العربية؟ فليبيا بلد عربي والقضاء على القذافي كان بفضل مساعدة  برنارد هنري ليفي الذي تبنى القضية الليبية؟”، لكن متسائلاً قد يقول لي: “لكن ما علاقة كلّ هذا مع ألف ليلة وليلة؟” ربما لا توجد أيّة علاقة إلاّ أنّ اسم “سليمان” العربي الذي يعود لنبيّ، “أثار فضولي تواجده إلى جانب اسم شهرزاد، وهنا بيت القصيد… وربّما لا يوجد أيّ قصيد بل مجرّد تخمينات فكرية لا أساس لها”.
“كان يا مكان في قديم الزّمان وسالف العصر والأوان لحدّ ما كان”. بدأ عرضه يوم الجمعة، أول هذا الشّهر، ويستمر إلى ٣١ كانون الأول/ ديسمبر في “لافوليه دي بيرجير”، (La Folie bérgère) بالدّائرة التّاسعة لباريس. وتقوم فرقة “لايف ناسيون” (Live Nation) بعرض موسيقي لألف ليلة وليلة، وخلال تسعين دقيقة تحاول شهرزاد إغراء… الملك سليمان بحكايات الأسلاف حتّى لا يقطع رأسها فالملك أصبح يهدر كلّ ليلة دم امرأة بعد خيانة زوجته التّي كان يعبدها، فهل تفلح شهرزاد في إقناع …الملك سليمان لاستعادة ثقته في امرأة لا يعرف أصلها ولا فصلها كما نجحت مع شهريار …أم سيفصل رقبتها؟