
محمد مع ابنته: فقد أثر زوجته الحامل وابنته الثانية. دفع ٤٨٠٠ دولار للرحلة ونهب المهربون ٥٠٠٠ دولار باقي ما معه
شكّل السوريون الهاربون من النزاع الدامي في بلادهم، لدى إبحارهم من ليبيا في ظروف تسودها الفوضى، القسم الأكبر من القتلى لدى غرق زورق يوم الجمعة الماضي قرب مالطا، أسفر عن 33 قتيلا، على الأقل، بينما بدا أنّ سبب الغرق ناجم عن اشتباك حصل بين عصابات المهربين.
ويوم الجمعة، كان القارب ينقل خصوصا سوريين ولاجئين فلسطينيين وأبحر يوم الخميس من مدينة زوارة الليبية، التي تبعد 60 كيلومتراً عن الحدود التونسية، كما قال للسلطات ناجون بلغ عددهم 206 من أصل 270 إلى 400 مسافر.
وقد فر محمد، وهو أحد الناجين، من الاضطرابات في سوريا واجتاز كامل أنحاء مصر مع عائلته قبل أن يصعد إلى الزورق. وقال، أمس، «سمعنا كلاما يفيد بأنها وسيلة للوصول إلى أوروبا. كنا نعرف أن الأمر محفوف بالمخاطر لكن لم يكن لدينا الخيار».
ولا يعرف محمد، الذي كان مع إحدى بناته في عداد 146 ناجيا تم استقبالهم في مالطا، شيئا عن زوجته الحامل وعن ابنتهما الأخرى التي تبلغ السابعة من العمر.
وقال إن «عناصر ميليشيات»، ساروا خلف الزورق من أربع إلى خمس ساعات، أطلقوا النار فوق رؤوسهم. وأضاف «أصابوا شخصين بجروح. ثم واصلوا إطلاق النار وبدأت المياه تتسرب إلى الزورق. وامتلأت بسرعة ووجدنا أنفسنا في البحر، ولقد احتضنت ابنتي».
وأوضح محمد انه دفع للمهربين مبلغ 1500 دولار عن نفسه والمبلغ إياه عن زوجته و900 دولار عن كل من بناته. وأضاف « لكن عندما صعدنا إلى الزورق، صوب عناصر ميليشيات رشاشاتهم إلى رؤوسنا مطالبين بمزيد من المال، وكان في حوزتي خمسة آلاف دولار دفعتها لهم».
وأكد سوري آخر، في الثانية والعشرين من عمره، لصحيفة «لا ستامبا» الإيطالية أن «ثلاثة شبان أصيبوا» خلال عملية إطلاق النار. وأضاف «حصل خلاف صاخب تخلله صراخ عبر اللاسلكي والهاتف مع شخص كان يطالب بأن نعود إلى اليابسة، لكن القبطان لم يتوقف».
وذكرت صحيفة «ريبوبليكا» الإيطالية أن النيران أطلقت من زورق ليبي كان «على الأرجح في عداد عصابة إجرامية أخرى».
وتوجّه رئيس الوزراء المالطي جوزف موسكات بصورة عاجلة، أمس، إلى ليبيا للقاء نظيره الليبي علي زيدان من اجل أن يناقش مسألة تزايد تدفق اللاجئين الذين ينطلقون من السواحل الليبية.
من جانبه، دعا وزير الدفاع الايطالي ماريو مورو الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ قرارات ملموسة خلال قمته في 24 و25 تشرين الأول المقبل «لضمان الاستقرار السياسي للبلاد الأفريقية والتعامل مع تدفق اللاجئين».
وقال مورو إن على أوروبا «أن تقرر مستقبلها: فهل تريد غض النظر عن تغيير تاريخي على صعيد موجات اللاجئين أو التحرك من خلال تدابير جديدة قانونية وسياسية»، مشيرا إلى أن ما يحصل «في سوريا سيحمل ملايين الأشخاص على الهرب خلال عقود».
وتقول وسائل الإعلام إن قبطان الزورق، وهو تونسي تعرّف إليه ناجون، اعتقلته السلطات المالطية التي باشرت التحقيق معه، بينما تواصلت الدوريات البحرية، أمس، بعد إنقاذ أكثر من مئتي مهاجر.
من جانبه، أعلن رئيس الوزراء الايطالي انريكو ليتا إطلاق «مهمة عسكرية إنسانية» اليوم في البحر الأبيض المتوسط، مشيرا إلى ازدياد الوحدات البحرية ثلاث مرات وتؤازرها وسائل بحرية لتجنب حصول مآس جديدة. لكن وزيرة الخارجية الايطالية ايما بونينو أوضحت أن تسيير دوريات في المتوسط سيستخدم لإنقاذ مزيد من المهاجرين «وليس لنقول لهم ابقوا حيث انتم».
وسلّط غرق مركب مهاجرين جنوب مالطا الضوء على المأساة الإنسانية السورية الناجمة عن أضخم حركة هجرة في العالم منذ ثلاثة عقود. فبسبب النزاع 2011 اضطر نحو خمسة ملايين سوري إلى النزوح داخل بلادهم، وهذا العدد يشكل ثلث السكان.
ولجأ أكثر من مليوني سوري خارج بلادهم. وبحسب المفوضية العليا للاجئين فإن نحو 97 في المئة من هؤلاء استقروا في دول الجوار. واستقبل لبنان العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، أي حوالي 760 ألفاً بحسب المفوضية. ويتحدث مسؤولون لبنانيون عن وجود 1,3 مليون سوري في لبنان مع حساب غير المسجلين كلاجئين.
ولجأ 549 ألف سوري إلى الأردن، وأكثر من 500 ألف إلى تركيا، ونحو 190 ألفاً إلى العراق. وسعى نحو 43 ألف سوري إلى اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي منذ بداية النزاع في بلادهم.