- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

برهان غليون… صمت وكلام

زاوية حادّة

حسام كنفاني

بعد مقابلة الدكتور برهان غليون مع صحيفة “وول ستريت جورنال” تنفس الكثير من أنصار المعارضة السورية الصعداء عندما اطلعوا على النص الأصلي للمقابلة الذي لم ترد فيه الكثير من العبارات التي جاءت في وكالات الأنباء العالمية، ولا سيما لجهة قوله إنه “سيقطع إمدادات السلاح عن حزب الله وحركة حماس” في حال وصلت المعارضة السورية إلى الحكم. ارتياح عبروا عنه على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، حين أخذوا يكيلون التوضيح تلو الآخر للإشارة إلى أن القيادي في المجلس الوطني السوري قُوّل ما لم يقله.
هم محقّون في الارتياح، الذي من الممكن القول إنه مؤقت، لأكثر من اعتبار. فما نُقل عن غليون من شأنه فتح جبهات إضافية على المعارضة السورية لا طائل لها، وأساساً ليست في وقتها، ولا تؤدي إلا لإكساب هذه المعارضة المزيد من العداوات، وربما دَفْع بعض من أنصارها أو المتعاطفين معها إلى الانفضاض من حولها، أو على الأقل النفور منها، في ظل ما يقوم به النظام وأنصاره من حملة للترويج لـ”المؤامرة” التي تستخدم هذه المعارضة لتحقيق مآربها في سوريا. فالشعب السوري المنتفض أكّد في أكثر من مناسبة، وعبر ممثلين مختلفين، أنه الحاضن للمقاومة ضد إسرائيل وليس نظام الممانعة القابع في دمشق الذي استخدم المقاومة لأغراضه، وعلى هذا الأساس تجنّب هؤلاء الخوض في مواجهة، ولو كلامية، مع الحركات المقاومة في المنطقة، وخصوصاً “حزب الله”، رغم المرارة التي يشعر بها الكثير منهم من موقف الحزب الداعم للنظام. هم يدركون أن استعداء “حزب الله” لن يكون في صالح سوريا الجديدة، ولا سيما أن مثل هذا الامر سيكون بمثابة وقوف مع طرف ضد آخر في التركيبة اللبنانية، التي يؤكّد غليون أنه لا يريد التدخّل فيها.
كما أن هؤلاء الناشطين، وهم محقّون، يرون أن ليس من مصلحة المعارضة السورية تشتيت تركيزها عن الهدف الأساس لحراكها، وهو إسقاط النظام وبناء سوريا الجديدة، وهو هدف مستعص بحد ذاته من دون إدخال عناصر إضافية إليه.
لكن اللافت أنه فيما كان الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي يستميتون في توضيح مواقف غليون، اعتصم هو بالصمت المطبق، حتى أنه لم يقم بنشر حرف ينفي عن نفسه ما نُسب إليه، بل أطلّ في مقابلة أخرى مع صحيفة “المستقبل” اللبنانية ليوصل الرسالة نفسها التي مُررت بين أسطر مقابلة “وول ستريت جورنال”، عبر الإشارة إلى قطع العلاقات العسكرية مع إيران واتهام “حزب الله” بأنه صنيعتها، وتجنّب الإشارة إلى حركة “حماس” عبر التأكيد على أن التواصل سيكون مع منظمة التحرير الفلسطينية.
وإذا كان الموقف من “حزب الله” مفهوماً، فإن تجنّب الحديث عن “حماس” أو التقليل من شأن العلاقة معها لا معنى له، وخصوصاً أنه من المفترض أن الدكتور غليون يعلم أن موقف الحركة كان إلى جانب الثورة السورية منذ اليوم الأول، وكل ما يقال عن الخلاف بين الحركة والحكم في دمشق هو حقيقة، رغم سعي الحركة إلى التقليل من شأنه، وبالتالي فلا مصلحة للمعارضة بتجاهل الحركة، والتوجّه إلى منظمة التحرير ذات الموقف الضبابي، ولا سيما أن المعارضين بحاجة إلى كل صوت يقف إلى جانب قضيتهم.
بعد الصمت جاء الكلام ليؤكّد أن ما ورد في “وول ستريت جورنال” لم يكن غلطة محرّر، بقد ما هو تمسّك الدكتور غليون برؤيته لمستقبل سوريا. للقيادي في المجلس الوطني الحق في تقديم ما يشاء من قراءات ورؤى لما قد يكون عليه الحال في بلاد الشام، لكن بالتأكيد من دون الترويج لهذه الرؤى باعتبارها الحقيقة المطلقة لما ستكون عليها الأمور، ولا سيما أن الثورة السورية قائمة ضدّ الديكتاتورية وتحكّم الفرد بخيارات المجموعة.
بالتأكيد لم يكن غليون موفقاً بتصريحاته، التي أربكت أنصاره ومؤيديه. وصمته وكلامه اللاحق جاء ليزيد الإرباك ويثير ريبة الكثير من المؤيدين للثورة السورية، أو الواقفين في المنطقة الرمادية بين المعارضة والنظام، وهم ليسوا قلّة.