- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

رهائن على موائد القمار

moammar_2013معمر عطوي

تطرح قضية المخطوفين التي تحرّكت في الأيام الأخيرة  بين لبنان وتركيا وسوريا وقطر، أكثر من قضية حول ضحايا الحروب التي يخوضها الكبار على موائد القمار، والذين يدفعون ثمن تسويات لا يجني ثمارها سوى اللاعبين على حلبة السياسات الدولية الكبرى.

لا فرق هنا بين مئات النساء المعتقلات في زنازين النظام السوري وبين تسعة مخطوفين (كانوا في الأصل 11) كانوا بيد أحد فصائل المعارضة السورية المُسلّحة، وبين طيارين تركيين تم خطفهما في بيروت على أيدي جهات قريبة من مخطوفي سوريا. كما أن هؤلاء جميعاً لا فرق بينهم وبين أي سجين مظلوم أو معتقل في أقبية الاحتلال الاسرائيلي وما شابهه من احتلالات أو في زنازين الأنظمة الاستبدادية.

لعلها أبشع صور الحرب وأكثرها تعبيراً عن سادية اللاعبين الكبار من مافيات وتجار أسلحة ومستثمرين في مجالات النفط والثروات الطبيعية وزعماء هائمين في السلطة ومتربعين على امبراطوريات إعلامية كبرى ومؤثّرة.

هؤلاء اللاعبين حين ينهون تسليتهم بالصغار إمّا يتخلصون منهم أو يفرجون عنهم بعدما يكونوا قد هتكوا كراماتهم وصادروا حرياتهم ونالوا منهم نفسياً وجسدياً ومعنوياً الى درجة التحطيم.

السسجينات السوريات اللاتي تم الافراج عنهن أمس ضمن صفقة كبرى تأتي استكمالاً لتحولات تشهدها المنطقة منذ وصول حسن روحاني الى رئاسة الجمهورية الإسلامية في إيران وتنازل الأمير القطري حمد بن خليفة آل ثاني عن العرش لنجله تميم، ومنذ تراجع الدعم الغربي لمجموعات مسلحّة كان هدفها استنزاف سوريا وتدميرها بالاشتراك مع نظام الأسد، فتحولت الى سلطة دينية قامعة للحريات الشخصية ومهددة لوجود الأقليات في المنطقة. فباتت بمثابة غول مخيف انقلب على سيده، الذي أرسله من عواصم الدول الراقية للتخلص منه في مستقعات الحروب الطائفية التي تم ايضاً جر حزب الله اليها في سوريا.

تسعة رهائن لبنانيين أراد من خلالهم الخاطفون الرد على حزب الله وليّ ذراعه، فوقعوا في محظور مخالفة الآية القرآنية التي تقول “ولا تزر وازرة وزر أخرى”، بينما كان حزب الله يخالف الآية نفسها بارتكابه جرائم ضد الشعب السوري بذريعة الدفاع عن نظام يشكل عصب المحور الممانع لإملاءات أميركا، ثم حماية مقام السيدة زينب، وبعدها أصبحت الذريعة حماية الشيعة في القرى الحدودية، وصولاً الى مقاتلة التكفيريين بما يعني الانخراط في حرب جمل مذهبية معاصرة.

في الوقت نفسه زج النظام السوري المعروف تاريخياً بظلمه واستبداده، بآلآف النساء والأطفال في المعتقلات بذريعة قربهم او نسبهم من مقاتلين في صفوف المعارضة، أو حتى اقرباء لمعارضين سلميين او ربما لا علاقة لهم لا بهذا ولا بذاك فتم اعتقالهم لأنهم لا ظهر لهم.

وما كشفته بعض هذه النسوة المحررات عن حالات اغتصاب وتهديد بقتل الأبناء والاذلال وهتك الكرامات التي يمارسها رجال السلطة السورية بحق السجينات لديهم، لا يقل بتاتاً عن كل ما يُحكى عن همجية مقاتلي “داعش” و”القاعدة” وآكلي لحوم البشر. فالاتهامات المُتبادلة بين الطرفين تؤكد أن المتقاتلين لا رحمة في قلوبهم لأي جهة انتموا وردة الفعل على ظلم ما قد تكون أكثر وحشية وقذارة من الفعل نفسه.

وما فعلته عناصر الاستخبارات السورية منذ بداية الأزمة عام 2011، بأطفال درعا من سحب اظافر وتعذيب وشتائم طالت الأعراض، اضافة الى قطع عضو الطفل حمزة الخطيب، لا تقل سوءاً وهمجية عن ذلك العنصر المعارض الذي أكل قلب جندي سوري أمام الكاميرات.

الرهائن المحررون من أعزاز والمعتقلات المحررات من سجون النظام والضحايا والمشردون وأصحاب البيوت التي تُقصف بكاملها على رؤوس أهلها بحجة محاربة الإرهاب، والقتلى والجرحى والمفقودون. كل هؤلاء ضحايا على موائد الكبار يضحّون بهم ساعة يشاؤون ويطلقون سراحهم حين تنضج طبخة التسويات بينهم ليتقاسموا النفوذ والمصالح والثروات والأدوار السياسية، فهل ادرك هؤلاء الأغبياء لمصلحة من يقاتلون. لا أريد العودة الى الحديث عن حراس الهيكل!