روبير بشعلاني
في المعلومات المنتشرة في االصحافة العربية ما يشي بنية سعودية للبناء والاستثمار في مشروع سياسي قائم على فكرة القومية العربية المواجهة طبعاً للقومية ” الفارسية الصفوية الرافضية ..”. خطر الجار عند السعودي هو الخطر. وهو قد استشعر خطره نتيجة تنامي القوة الإيرانية على مستوى الإقليم في ظل انهيار المشروع العربي والعرب إجمالاً.
الإنطلاق من التشخيص ووصف الواقع صحيح تماماً ولا يمكننا نقضه. لكن من هنا حتى نهضم قيام مشروع عروبي قائم على القرابة والقرابة فقط حتى ولو كانت سنيّة ونراهن عليه فيجب أن نكون في سالف العصر والأوان.
أظن أن خروج العرب ،اليوم، من المأزق الحالي يمر حكماً بمشروع دولة عربية موحدة متحررة . لكن هذا المشروع العروبي التحرري لا يمكن أن يكون واقعيا بدون التحالف مع الإيراني لا الوقوف في صف الغرب وخدمته.
ذلك أن هدف بناء الدولة العربية هو استرجاع الثروات والارض وما تحتها والتحكم بها وبناء منظومة اقليمية كبيرة تتيح تبادل المنافع فيما بينها. هدف المشروع بناء الدولة الصاعدة لا الدولة الخاضعة الذليلة. هدف الدولة العربية هو الإتيان بحلول جذرية للتحديات الهائلة التي تواجه العرب على جميع المستويات الديموغرافية والإقتصادية والسياسية والوطنية والاجتماعية.
هذا هو المعنى الفعلي للقومية العربية اليوم كما أظن. المشروع العربي يكون عقلانيا ومستقبليا أو لا يكون.
فلا حياة لمشروع عروبي قائم على القرابة السنّية لأنه مشروع متخلف ورجعي وضد التاريخ والجغرافيا.
. لا حياة لمشروع عروبي أذا لم يقم على فكرة مواجهة الهيمنة الخارجية الغربية ومنظومة نهبها
بالطبع هو بلا حياة بتاتاً إذا كان بأساسه مشروعاً على العكس يستند إلى قوى النهب العالمي وعاملا لحسابها. فهو بهذه الحالة ، وإذا نجح، قد نجح في تعميق حالة تبعيتنا وتخلفنا جكارة بالإيراني.
إن السياسة القائمة على الجكارة لا تناسب العصر ولا الحاجات الهائلة لكافة شعوبنا.
سمعت نهفة عن لسان مارد القمقم تقول أنه ظهر يوماً على عربي وعلى أميركي وسألهما تنفيذ رغباتهما . وأعلمهم أن طلب كل منهم سوف يكون مضاعفاً للآخر. في دور الأميركي طلب بئر نفط فكان له ما تمنى وأعطي العربي بئرين. ولما جاء دور العربي لم يفكر بما يتمنى، هو، بل بحصة الآخر المضاعفة فطلب من المارد أن يفقأ له عيناً.
مواجهة تصاعد قوة جاري لا تكون بفقىء العين بل بتقليد ما نجح في خطته لكي يكون قوياً وعلى حساب الجيران في بعض الأحيان. ما نجح لدى الإيراني على ما أظن هو الإرادة. إرادة الصراع ومجابهة الصعاب بعقلانية بالغة. ما نجح هو إعداد مشروع تحرر من الغرب الناهب لثرواته ولسوقه. ما نجح هو فكرة الاستقلال والعيش بحرية.
ما نجح في المشروع الإيراني هو بناء الدولة المؤسساتية القائمة على قواعد واضحة وثابتة لا تخضع للأمزجة القرابية. ما نجح عو صوغ المجتمع القرابي في دولة ومؤسسات متحررة من الغرب وسيطرته. ما نجح هو مشروع بناء دولة طامحة لأن تحتل مكانة تحت الشمس مثلها مثل باقي الدول السيّدة.
لم تصل إيران اليوم إلى ما وصلت إليه بواسطة أبخرة المباخر بل بأخرة التخصيب النووي وإرادة الصناعة، العسكرية خصوصاً، والعقل والتمأسس. لم تصل لأنها شيعية بل لأنها دولة سيّدة. ولم يتراجع العرب لأنهم سنّة بل لأنهم قبلوا بدور العبد عند السيّد الغربي.
وما محاولات السياسة السعودية الحالية في بلورة مشروعٍ قوميّ عروبيٍ يقوم على العصبيّة السنّية إلا مشروع خسارة مسبقة ومعلنة سلفاً. ذلك أنه مقلّدٌ.مقلّدٌ لأنه يأخذ عن الإيراني ما يراه ظاهراَ أي الشيعية لديه ولأنه نسي الجوهر وهو الدولة السيّدة المتحررة صاحبة المشروع التنموي النهضوي الرؤيوي.
من شروط نجاح المشروع العروبي اليوم هو قيامه على الضد من مصالح الغرب الذي يمعن نهباً بمواردنا وبالتحالف مع جميع القوى والدول النازعة الى الاستقلال عنه. وإيران أولى بالمعروف في هذا المجال لأنها مستقلة وجارة ولنا معها أواصر وروابط تاريخية وجغرافية.
فسياسة أفقىء لي عيناً لكي يخسر هوعينتين، سياسة عوراء ساذجة ولا تناسب العصر. هذا إذا أحسنّا النوايا فكيف إذا بدأنا بالظن ولو كان بعضه إثم؟