معمر عطوي
تؤكد الأحداث الأمنية المتسارعة التي تمر بها ليبيا، أن السنتين اللتين أعقبتا انتصار انتفاضة 17 شباط 2011 على نظام معمر القذافي، لم تكونا ممزوجتين بالعسل والورود. بل تمخضت الثورة عن مشكلات إثنية وقبلية كانت كالنار تحت رماد الاستبداد.
أحداث مُتسارعة من تفجير سيارات وهجمات تطال بعثات دبلوماسية مروراً بمسلسل طويل من اغتيالات طالت سياسيين وناشطين وضباطاً كبار في الجيش خصوصاً في المنطقة الشرقية، وصولاً الى عمليات خطف طالت رئيس الوزراء علي زيدان نفسه الشهر الماضي.
وعلى هامش الأحداث الأمنية هواجس إتنية متمثلة بحقوق الأمازيغ وربما يتبعهم الطوارق لاحقاً، خصوصاً أن الدستور المزمع كتابته للجمهورية الحديثة ينبغي ان يتميز عن دستور الجماهيرية، الذي صُبغ باللون الأخضر، عنيت الكتاب الأخضر الذي أعدّه القذافي وفرضه على الشعب الليبي طوال فترة حكمه على مدى 42 عاماً.
ثوار الأمس من مصراتة الى جبل نفوسة مروراً بالزنتان والبيضا وبنغازي، على مستوى المناطق ورفاقهم على المستوى الآيديولوجي من قوميين وإسلاميين، يشعر كل منهم بحق في الهضبة الافريقية، التي انتقلت من حكم الاستبداد الى حكم الميليشيات.
يشعر هؤلاء اليوم أنهم ضحّوا بشهداء وجرحى وناضلوا طويلاً قبل سقوط الديكتاتور ولم ينالوا جزاءهم العادل. لكنهم بدوا على صورة الديكتاتور حين قتلوه بلا محاكمة، وحين كرّسوا منطق الميليشيات فلا حافظوا على قيم الثورة ولا انتقلوا الى المساهمة في بناء الدولة.
هم ربما لا يؤمنون باللعبة الديموقراطية ولا يتنازلون من أجل مصلحة ليبيا.
وقد تكون سياسات الحكومة والنخبة الحاكمة، وهي مزيج من إسلاميين وليبرليين، قد تسببت في تفشي هذه الحالة. وعلى الأرجح ان تورم ظاهرة الميليشيات وتمكنها من ان تسرح وتمرح بهذا الشكل سببه عدم جدية السلطات في طرابلس في ارساء القانون بمنطق يرضي الجميع ويحافظ في الوقت نفسه على هيبة الدولة.
لكن في أي حال هناك من يسعى الى تقسيم ليبيا وهناك من يطالب بفدرلتها على غرار اعلان بعض أبناء منطقة برقة.
تقسيم يذكّر بليبيا ذات الأقاليم الثلاثة في الخمسينات: فزان وطرابلس وبرقة. لكن المقلق في الموضوع هو الخلاف على توزيع الثروة خصوصاً ان برقة هي الأغنى بالنفط، وهي المنطقة الشرقية التي كانت دائماً في موقع المعارض للسلطة وعلى هامش اهتماماتها.
وليبيا ليست طائفية، لكن تقسيماتها القبلية وخريطة ميليشياتها المُسلحة اليوم قد تجعلها عرضة للتقسيم وقد يكون البديل حرب اهلية لا تُحمد عقباها. ربما من اشكاليات الثورة التي تعتمد على الخارج أنها لا تؤسس خطواتها الى مدى بعيد فتقع في خطورة التجريب وقد يستمر الوضع لفترة طويلة وضع يشبه المكوث على فوهة بركان.